فأما الأمة إذا مات عنها سيدها لم يَلْزَمْهَا عَنْهُ اسْتِبْرَاءٌ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا أَمْ لَا؟ لَكِنْ لَيْسَ لِمَنِ انْتَقَلَتْ إِلَى مِلْكِهِ مِنْ وَارِثٍ أَوْ مُشْتَرٍ أَنْ يَطَأَهَا إِلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا كَمَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، وَإِنْ كَانَ وَاطِئًا لَهَا، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَمَةِ، وَإِنْ حَرُمَتْ فَجَازَ أَنْ يكون استبرائها فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِذَا حُرِّمَتْ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَلِذَلِكَ تَقَدَّمَ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وتأخر عن البيع.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنِ اسْتَرَابَتْ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ الْمُسْتَرِيبَةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ مَضَى حُكْمُ الْحُرَّةِ الْمُسْتَبْرِئَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَهَذِهِ إِذَا اسْتَبْرَأَتْ فِي حُكْمِهَا وَلَا يَخْلُو حَالُ اسْتِرَابَتِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ فِي حَالِ قُرْئِهَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ نَكَحَتْ قَبْلَ زَوَالِ الرِّيبَةِ بَطَلَ نِكَاحُهَا لَا يَخْتَلِفُ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَحْدُثَ الرِّيبَةُ بَعْدَ نِكَاحِهَا، وَتَقْضِي مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ إِلَّا أَنْ يَحْدُثَ بَعْدَ وِلَادَتِهَا لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ بَاطِلًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَحْدُثَ الرِّيبَةُ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَبْلَ النِّكَاحِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ حُدُوثَ الرِّيبَةِ يَمْنَعُ مِنْ صحة الاستبراء ويوجب بقائها فِيهِ، فَإِنْ نَكَحَتْ كَانَ نِكَاحُهَا بَاطِلًا كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتِ الرِّيبَةُ فِي زَمَانِ الِاسْتِبْرَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أن حُدُوثَ الرِّيبَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاسْتِبْرَاءِ اعْتِبَارًا بِالظَّاهِرِ مِنْ حَالِ الصحة، ولا يوجب بقاؤها فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ نَكَحَتْ كَانَ نِكَاحُهَا جَائِزًا كَمَا لَوْ حَدَثَتِ الرِّيبَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا لِأَنَّ فَرْجَهَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَاحَهُ لِزَوْجِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا مَاتَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ وَهِيَ ذَاتُ حَمْلٍ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا بِمَوْتِهِ لِأَمْرَيْنِ: