للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَقَطَ تَغْلِيظُ أَيْمَانِهِمْ بِالزَّمَانِ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ النَّهَارَ أَشْرَفَ مِنَ اللَّيْلِ، لِأَنَّ النُّورَ عِنْدَهُمْ أَشْرَفُ مِنَ الظُّلْمَةِ، فَيَحْلِفُونَ فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ وَثَنِيًّا لَمْ يَحْلِفْ بِمَا يُعَظِّمُهُ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَالْأَصْنَامِ، وَحَلَّفَهُ بِاللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ: الَّذِي خَلَقَ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَجْسَامَهَا كَمَا خَلَقَ أَجْسَامَ غَيْرِهَا، وَهُمُ اخْتَلَفُوا مَا أَحْدَثُوهُ مِنَ الْمَعَاصِي بِعِبَادَتِهَا، وَلَكِنْ يُحْلِفُهُ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي، وَرَزَقَنِي، وَأَحْيَانِي.

فَأَمَّا تَغْلِيظُهَا بِالْمَكَانِ، فَسَاقِطٌ فِي حُقُوقِهِمْ، لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ بُيُوتَ أَصْنَامِهِمْ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِكَنَائِسِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّ دُخُولَ الْمُسْلِمِينَ بُيُوتَ أَصْنَامِهِمْ مَعْصِيَةٌ، وَدُخُولَهُمْ كَنَائِسَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى غَيْرُ مَعْصِيَةٍ، لِأَنَّ بُيُوتَ الْأَصْنَامِ لَمْ تُوضَعْ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَّا لِأَجْلِ مَعْصِيَةٍ، وَقَدْ كَانَتِ الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ مَوْضُوعَةً فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى طَاعَةٍ نُسِخَتْ، فَصَارَتْ مَعْصِيَةً، وَكَذَلِكَ تَغْلِيظُ الزَّمَانِ يَسْقُطُ عَنْهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأَيَّامِ عِنْدَهُمْ يَوْمٌ يَرَوْنَهُ أَشْرَفَ الْأَيَّامِ، فَإِنْ بَعُدَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، وَتَأَخَّرَ لَمْ تُؤَخَّرِ الْيَمِينُ إِلَيْهِ، لِاسْتِحْقَاقِ تَقَدُّمِهَا، وَإِنْ قَرُبَ وَتَعَجَّلَ احْتَمَلَ أَنْ تُغَلَّظَ أَيْمَانُهُمْ فِيهِ، كَمَا تُغَلَّظُ بِأَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُغَلَّظَ فِيهِ، لِأَنَّ عِبَادَاتِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَدْ كَانَتْ طَاعَةً، وَإِنْ صَارَتْ بَعْدَ النَّسْخِ مَعْصِيَةً، وَيَوْمُ هَؤُلَاءِ لَمْ يَخْتَصَّ بِعِبَادَةٍ تَكُونُ طَاعَةً، فَسَاوَى غَيْرَهُ مِنَ الْأَيَّامِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ دَهْرِيًّا، لَا يَعْتَقِدُ خَالِقًا، وَلَا مَعْبُودًا، اقْتَصَرَ الْحَاكِمُ عَلَى إِحْلَافِهِ بِاللَّهِ الْخَالِقِ الرَّازِقِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إِلَهًا خَالِقًا رَازِقًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَيْسَتْ يَمِينُهُ زَاجِرَةً لَهُ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِيهَا؟ قِيلَ: أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِجْرَاءُ حُكْمِهَا عَلَيْهِمْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩] .

وَالثَّانِي: لِيَزْدَادَ بِهَا إِثْمًا رُبَّمَا يُعَجِّلُ به انتقاما، والله أعلم.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِيمَا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ عَلَى الْبَتِّ مِثْلَ أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ بَرَاءَةٌ مِنْ حَقٍّ لَهُ فَيَحْلِفُ بِاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَقَّ وَيُسَمِّيهِ لَثَابِتٌ عَلَيْهِ مَا اقْتَضَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا مُقْتَضًى بِأَمْرٍ يَعْلَمُهُ وَلَا أَحَالَ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ ولَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَإِنَّهُ لَثَابِتٌ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ حلف بهذا اليمين وإن كان حقا لأبيه حلف في نفسه على البت وفي أبيه على العلم ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ اسْتِيفَاءَ يَمِينٍ تَوَجَّهَتْ عَلَى خَصْمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>