للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ تَمْيِيزًا وَقَصْدًا وَلَيْسَ لِلْمَجْنُونِ قَصْدٌ وَلَا تَمْيِيزٌ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَلْزَمُهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ عَنْ حَدَثِهِ فِي كُفْرِهِ فَلَوْ كَانَ قَدْ تَوَضَّأَ مِنَ الْحَدَثِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ نَاوِيًا فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ أَصَحُّ قَصْدًا مِنَ الصَّبِيِّ وَهَذَا قَوْلُ أبي حنيفة.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ مَعَ الْكُفْرِ انْعِقَادُ عِبَادَةٍ كَمَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ انْعِقَادُ الصَّلَاةِ وَخَالَفَ الصَّبِيَّ الَّذِي تَصِحُّ مِنْهُ انْعِقَادُ الصلاة، وأما إِذَا أَجْنَبَ الْكَافِرُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ فَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: إِنَّ حُكْمَ جَنَابَتِهِ سَاقِطٌ بِإِسْلَامِهِ، فَإِنَّ اغْتِسَالَهُ مِنْهَا غَيْرُ وَاجِبٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ "، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَأْمُرْ جَمِيعَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْكُفَّارِ بِالْغُسْلِ مَعَ كَوْنِهِمْ غَالِبًا عَلَى جَنَابَةٍ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ حُكْمَ جَنَابَتِهِ بَاقٍ، وَإِنَّ الْغُسْلَ عَلَيْهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَاجِبٌ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِسْلَامِ حُكْمُ حَدَثِهِ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَلَزِمَهُ الْوُضُوءُ لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ جَنَابَتِهِ وَلَزِمَهُ الْغُسْلُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَالْبُلُوغِ وَهُمَا فِي حَالِ (الْحَدَاثَةِ) مِنْ غَيْرِ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فَالْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ أَوْلَى أَنْ يَلْزَمَهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فَأَمَّا الْمُرْتَدُّ إِذَا أَسْلَمَ جُنُبًا فَمَأْخُوذٌ بِجَنَابَتِهِ وَالْغُسْلُ مِنْهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِوِفَاقِ أَبِي سَعِيدٍ فَلَوْ كَانَ قَدِ اغْتَسَلَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَانَ على وجهين كالكافر.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ نَوَى فَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ أَجْزَأَهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةَ أَنْ يَتَبَرَّدَ أَوْ يَتَنَظَّفَ فَيُعِيدُ مَا كَانَ غَسَلَهُ لتبرد أو لتنظف ".

قال الماوردي: أما تَقْطِيعُ النِّيَّةِ عَلَى أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْ وَجْهِهِ وَحْدَهُ وَيَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُمَا لَا غَيْرَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>