الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُحَكَّمِ مِنْ غَيْرِ الْحُكَّامِ، هَلْ يَلْزَمُ الْمُتَرَاضِيَيْنِ بِهِ حُكْمُهُ أَمْ لَا؟
فَإِنْ قِيلَ: بِلُزُومِ حُكْمِهِ لَزِمَ الشَّاهِدُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا يَلْزَمُهُمَا حُكْمُهُ لَمْ يُلْزَمِ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ، وَإِنْ دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ حَاكِمٍ لَا يَعْلَمُ هَلْ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَوْ لَا يَقْبَلُهَا؟ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَقْبَلَهَا.
فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَتَوَقَّفَ عَنْ قَبُولِهَا لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ، لَزِمَهُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْحُكَّامِ إِذَا دُعِيَ إِلَيْهِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ عَنْ قَبُولِهَا لَهَا كَحُكْمِهِ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ لِجُرْحِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ غَيْرِهِ إِذَا دُعِيَ إِلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ قَدْ رُدَّتْ بِحُكْمٍ.
(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا وَقْتُ الشَّهَادَةِ: فَعِنْدَ اسْتِدْعَائِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَقٍّ حَالٍّ، أَوْ مُؤَجَّلٍ، وَالْمُسْتَدْعِي لَهَا هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ إِذَا كَانَ جَائِزَ الْأَمْرِ، أَوِ الْحَاكِمُ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ.
فَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْحَقِّ قَبْلَ اسْتِدْعَاءِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَتْ في حق لله تَعَالَى مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ، أَوْ حَجٍّ كَانَ مَنْدُوبًا إِلَى الشَّهَادَةِ قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ، وَهَكَذَا إِنْ كَانَتْ فِي حَقِّ مُوَلًّى عَلَيْهِ بِجِنُونٍ أَوْ صِغَرٍ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ أَخْبَرَ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى " وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ حَاضِرٍ، جَائِزِ الْأَمْرِ عَالِمٍ بِحَقِّهِ، كُرِهَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ قَبْلَ الِاسْتِدْعَاءِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثَمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد " فَكَانَ لِاخْتِلَافِ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مَحْمُولًا عَلَى اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute