وَفِيهِ دَلِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالسُّجُودِ وَأَقَرَّهُ عَلَى تَرْكِهِ
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَوْ سَجَدْتَ سَجَدْنَا " عَلَى سَبِيلِ الْمُتَابَعَةِ وَالتَّخْيِيرِ
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَسَجَدَ وَقَرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى رِسْلِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ
وَرَوَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَالَ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ
فَدَلَّ قَوْلُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَضْرَةِ الْمَلَإِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَعَدَمُ مُخَالَفَتِهِمْ لَهُ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ يَجِبُ لِلْمُسَافِرِ فِعْلُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي الْأَحْوَالِ فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا
أَصْلُهُ سُجُودُ النَّافِلَةِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ السُّجُودُ لَهَا وَاجِبًا
أَصْلُهُ إِذَا أَعَادَ تِلْكَ الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عِنْدَ الْعَوْدِ إِلَى التِّلَاوَةِ لَمْ يَجِبْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ التِّلَاوَةِ، كَالطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ سُجُودٍ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ فَهُوَ مَسْنُونٌ كَسُجُودِ السَّهْوِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون} فَالْمُرَادُ بِهَا الْكُفَّارُ بِدَلِيلِ مَا تَعَقَّبَهَا مِنَ الْوَعِيدِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ تَرَكَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وقَوْله تَعَالَى: {لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢١] يَعْنِي لَا يَعْتَقِدُونَ أَلَا تَرَى قَوْله تَعَالَى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} [الانشقاق: ٢٥]
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَبَاطِلٌ السجود السَّهْوِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ كَوْنُهُ مُرَتَّبًا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَبَرَاتٍ
(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَسُجُودُ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً سِوَى سَجْدَةِ " ص " فَإِنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ فُضِّلَتْ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْجُدُ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ (قَالَ) وَسَجَدَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في " إذا السماء انشقت " وعمر في " والنجم " (قال الشافعي) وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الْمُفَصَّلِ سُجُودًا ومن لم يسجد فليست بفرض وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجد وترك وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلا أن نشاء "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute