للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَإِذَا سَرَقَ الْمُعَاهَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَالًا فَإِنْ كَانَ مِنْ مُعَاهَدٍ لم يلزمه أن يأخذه بِغُرْمٍ وَلَا قَطْعٍ، لَكِنْ يُقَالُ لَهُمْ: دَارُ الإسلام توجب التناصف وتمنع التَّغَالُبِ فَإِنْ تَنَاصَفْتُمْ وَإِلَّا نَبَذْنَا إِلَيْكُمْ عَهْدَكُمْ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ بِغُرْمِ مَا سَرَقَ وَفِي وُجُوبِ قطعه قولان: أحدهما: وهو المنصوص عليه ها هنا وَفِي كِتَابِ " الْأُمِّ) وَنَقَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ النَّقَّالُ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الله تعالى وأشبه حَدَّ الزِّنَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ وَلَزِمَهُ حَدُّ الْقَذْفِ حِفْظًا لِلْأَعْرَاضِ لَزِمَهُ قَطْعُ السَّرِقَةِ حِفْظًا لِلْأَمْوَالِ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ألا إن دماءكم وأموالكم وأعرضكم حَرَامٌ عَلَيْكُمْ) فَجَمَعَ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ فِي التَّحْرِيمِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ جَمِيعُهَا فِي الاستيفاء فصار تَحْرِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَطْعِ السَّرِقَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا سَرَقَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ غَرِمَ، وَقُطِعَ وَالذِّمِّيَّ إِذَا سَرَقَ مِنْ مُسْلِمٍ أو معاهد أغرم وقطع، وإذا سَرَقَ مِنْ ذِمِّيٍّ غُرِّمَ، وَفِي قَطْعِهِ قَوْلَانِ، وَالْمُعَاهَدُ إِذَا سَرَقَ مِنْ مُعَاهَدٍ لَمْ يُغَرَّمْ وَلَمْ يُقْطَعْ، وَإِذَا سَرَقَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذمي غرم وَفِي قَطْعِهِ قَوْلَانِ:

(فَصْلٌ)

إِذَا قُطِعَ فِي سَرِقَةِ مَالٍ ثُمَّ سَرَقَهُ ثَانِيَةً قُطِعَ، وَكَذَلِكَ ثَالِثَةً وَرَابِعَةً، سَوَاءً كَانَ مِنْ مَالِ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قُطِعَ فِي مَالٍ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ ثَانِيَةً إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ كَالْغَزْلِ إِذَا نُسِجَ، وَالطَّعَامِ إِذَا طُحِنَ، احْتِجَاجًا بِأَنَّ الْقَطْعَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ وَفِعْلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فِي عَيْنَيْنِ يُوجِبُ قَطْعًا وَاحِدًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلَانِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ يُوجِبُ قَطْعًا وَاحِدًا، ولأن قطع السرقة في حراسة الْأَمْوَالِ مُقَابِلٌ لِحَدِّ الْقَذْفِ فِي صِيَانَةِ الْأَعْرَاضِ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَتَكَرَّرْ حَدُّ الْقَذْفِ فِي الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ قَطْعُ السَّرِقَةِ فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ.

وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّهُ حَدٌّ يَقِفُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى مُطَالَبَةِ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَالْقَذْفِ.

وَدَلِيلُنَا مَعَ عُمُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: هُوَ أَنَّهُ فِعْلٌ يُوجِبُ الْحَدَّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَكَرُّرُهُ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ كَتَكَرُّرِهِ فِي الْأَعْيَانِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالزِّنَا يُحَدُّ إِذَا تَكَرَّرَ فِي الْوَاحِدِ كَمَا يُحَدُّ إِذَا تَكَرَّرَ فِي الْجَمَاعَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَحَلُّ الْحَدِّ فِي الزِّنَا مَوْجُودٌ فَجَازَ أَنْ يَتَكَرَّرَ وَمَحَلُّ الْقَطْعِ مَفْقُودٌ فَلَمْ يَتَكَرَّرْ.

قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ يَبْطُلُ فِي الزِّنَا بِحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَوْجُودٌ وَلَا يَتَكَرَّرُ، وَيَبْطُلُ فِي السَّرِقَةِ بِالْقَطْعِ فِي الْغَزْلِ إِذَا نُسِجَ، فَإِنَّ مَحَلَّهُ مَفْقُودٌ وَقَطْعُهُ يَتَكَرَّرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>