وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَقْطَعُهُ اسْتِحْسَانًا.
وَدَلِيلُنَا مع عموم الظواهر أَنَّ مَنْ ضُمِنَ مَالُهُ جَازَ أَنْ يُقْطَعَ سَارِقُهُ قِيَاسًا عَلَى مَالِ الذِّمِّيِّ، وَلِأَنَّ مَا وجب بسرقة مال الذمي وجب سرقة مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ كَالضَّمَانِ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّالِثُ فِي اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ مِنْهُمْ فَيُنْظَرُ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى أَمَانِهِمْ لَمْ يَلْزَمِ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْهُمْ، سَوَاءٌ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، كَمَا لَا يَلْزَمُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا أَسْلَمُوا، وَإِنْ لَزِمَتْهُمْ بَعْدَ أَمَانِهِمْ لَمْ يَخْلُ مَا لَزِمَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حقوق الآدميين المحضة.
والثاني: أن تكون حقوق الله تعالى المحضة.
والثالث: أن تكون من الحقوق المشتركة.
فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمَحْضَةِ نُظِرَ مُسْتَحِقُّهَا فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ لَمْ يَلْزَمِ اسْتِيفَاؤُهَا لَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَالٍ أَوْ بَدَنٍ، وَقِيلَ لَهُمْ إِنْ تَنَاصَفْتُمْ وَإِلَّا نَبَذْنَا إِلَيْكُمْ عَهْدَكُمْ ثُمَّ صِرْتُمْ بَعْدَ بُلُوغِ مَأْمَنِكُمْ حَرْبًا لِمَا تُوجِبُهُ دَارُ الْإِسْلَامِ مِنَ التَّنَاصُفِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقُّهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَجَبَ أَنْ يُسْتَوْفَى لَهُ حَقُّهُ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ في بدن كالقصاص أو في مال كالديون والْغُصُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ بِالْأَمَانِ أَنْ نُؤَمِّنَهُمْ وجب أن نأمنهم بما يُوجِبُهُ الْأَمَانُ مِنْ تَسَاوِي الْجِهَتَيْنِ فِيهِ.
وَأَمَّا حقوق الله المحضة فقتل بردة وحد فِي زِنًا، فَأَمَّا الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ عَهْدَهُمْ يَعُمُّ مَنْ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ وَمَنْ لَا يُقَرُّ بِخِلَافِ الذِّمَّةِ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ إِلَّا فِيمَنْ يُقَرُّ على دينه، ويكونون بَعْدَ الرِّدَّةِ عَلَى عَهْدِهِمْ إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ.
وَأَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ كَالْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ، لَكِنْ يُنْظَرُ فِي الْمَزْنِيِّ بِهَا فَإِنَّهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا مُعَاهَدَةٌ، أَوْ ذِمِّيَّةٌ، وَإِمَّا مُسْلِمَةٌ، فإن كانت معاهدة لم يلزم استنابة الزاني، وَقِيلَ لَهُمْ دَارُ الْإِسْلَامِ تَمْنَعُ مِنَ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ فَإِنْ كَفَفْتُمْ عَنْهَا وَإِلَّا مُنِعْتُمْ مِنَ الْمُقَامِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَزْنِيُّ بِهَا ذِمِّيَّةً وَجَبَ أَنْ يُسْتَتَابُوا مِنْ هَذَا الزِّنَا بِمِثْلِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِأَمَانِهِمْ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا نَبَذْنَا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ لِيَبْلُغُوا مَأْمَنَهُمْ ثُمَّ يَصِيرُوا حَرْبًا، وَإِنْ كَانَ الْمَزْنِيُّ بِهَا مُسْلِمَةً كَانَ الزِّنَا نَقْضًا لِأَمَانِهِمْ إِنْ شُرِطَ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِمْ وَبَلَغُوا مَأْمَنَهُمْ، وَصَارُوا حَرْبًا، وَإِنْ لم يشترط ذلك عليهم في عهدهم استتيبوا منه، فإن تابوا وإلا نبذن إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا مَأْمَنَهُمْ ثُمَّ يَصِيرُوا حَرْبًا.
وَأَمَّا الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الآدميين فهي السرقة وهي المسألة الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا فَرَّعْنَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَلَيْهَا لِارْتِبَاطِ بعضه ببعض اشتمل عَلَى تَقْسِيمِ مَا اتَّصَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute