للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَيْسَ لِهَذَا الْوَارِثِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْقَوَدِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالْمِيرَاثِ وَشَرِيكُهُ فِي اسْتِيفَائِهِ الْإِمَامُ، لِأَنَّ بَاقِيَ التَّرِكَةِ مِيرَاثٌ لِبَيْتِ الْمَالِ.

فَإِنِ اتَّفَقَ الْوَارِثُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْقَوَدِ وَجَبَ، وَإِنْ أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ سَقَطَ، وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ، وَكَانَ الْوَارِثُ فِي حَقِّهِ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْعَفْوِ، وَفِي خِيَارِ الْإِمَامِ فِي حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ فِيهِمَا وَجْهَانِ عَلَى مَا مَضَى.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " ولا يقتل إلا باجتماعهم ويحبس الْقَاتِلُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَيَبْلُغَ الطِّفْلُ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَعْتُوهٌ فَحَتَّى يُفِيقَ أَوْ يَمُوتَ فَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا كَانَ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ أَهْلَ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْقَوَدِ دُونَ شُرَكَائِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ مَنْ حَضَرَ وَيَنْتَظِرَ مَنْ غَابَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ " فَأَمَّا إِنْ كَانَ فِيهِمْ مَوْلًى عَلَيْهِ لِعَدَمِ رُشْدِهِ بِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْقَوَدَ مَوْقُوفٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ الرَّشِيدُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَيُفِيقَ الْمَجْنُونُ، وَيَجْتَمِعُونَ عَلَى اسْتِيفَائِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: يَجُوزُ لِلرَّشِيدِ مِنْهُمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِاسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ وَلَا يَنْتَظِرَ بُلُوغَ الصَّغِيرِ وَإِفَاقَةَ الْمَجْنُونِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّهُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا جَازَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي اسْتِيفَائِهِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ الْوَلِيُّ الْوَاحِدُ.

وَلِأَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ قَتَلَ عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ، وَقَدْ شَارَكَهُ مِنْ إِخْوَتِهِ صِغَارٌ لَمْ يَبْلُغُوا، وَلَمْ يَقِفِ الْقَوَدُ عَلَى بُلُوغِهِمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَصَارَ إِجْمَاعًا عَلَى جَوَازِ تَفَرُّدِهِ به.

قال: ولأن للقود حق يَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ فَجَازَ إِذَا لَمْ يَتَبَعَّضْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الْقَوَدَ إِذَا وَجَبَ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ ينفرد بِاسْتِيفَائِهِ وَاحِدٌ، كَالْقَتِيلِ إِذَا لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا اسْتَحَقَّ قَوَدَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ ينفرد باسيتفائه.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فمن قتل بعده قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ " فَجَعَلَ ذَلِكَ لِجَمَاعَتِهِمْ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ بَعْضُهُمْ، لِمَا فِيهِ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>