العدول عن مقتضى الخير.
وَلِأَنَّ الْقَوَدَ إِذَا تَعَيَّنَ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ بَعْضُهُمْ، كَمَا لَوْ كَانُوا جَمِيعًا أَهْلَ رُشْدٍ.
وَلِأَنَّ الْقَوَدَ أَحَدُ بَدَلَيِ النَّفْسِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ كَالدِّيَةِ.
وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِاسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِاسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ كَالْأَجَانِبِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الْوَلِيِّ إِذَا كَانَ وَاحِدًا.
وَأَمَّا تَفَرُّدُ الْحَسَنِ بِقَتْلِ ابْنِ ملجم لعنه الله فعنه جوابان:
أحدهما: أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي شُرَكَائِهِ مِنَ البَالِغِينَ مَنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ، لِأَنَّ عَلِيًّا خَلَّفَ حِينَ قُتِلَ عَلَى مَا حَكَاهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّقْلِ سِتَّةَ عَشَرَ ذَكَرًا وَسِتَّ عَشْرَةَ أُنْثَى فَيَكُونُ جَوَابُهُمْ عَنْ تَرْكِ اسْتِئْذَانِهِ لِلْأَكَابِرِ جَوَابَنَا فِي تَرْكِ وُقُوفِهِ عَلَى بُلُوغِ الْأَصَاغِرِ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ انْحَتَمَ قَتْلُهُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، لِأَنَّ مَنْ قَتَلَ إِمَامَ عَدْلٍ فَقَدْ سَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فَصَارَ مَحْتُومَ الْقَتْلِ، لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ اسْتِئْذَانُ الْوَرَثَةِ فِيهِ.
وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ اسْتَحَلَّ قَتْلَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَصَارَ بِاسْتِحْلَالِهِ قَتْلَهُ كَافِرًا، لِأَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ إِمَامِ عَدْلٍ كَانَ كَافِرًا فَقَتَلَهُ الْحَسَنُ لِكُفْرِهِ وَلَمْ يَقْتُلْهُ قَوَدًا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيْقَظَ عَلِيًّا مِنْ نَوْمِهِ فِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ، وَقَدْ سِيقَتِ الرِّيحُ عَلَيْهِ التُّرَابُ، فَقَالَ قُمْ يَا أَبَا تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ: أَتَعْرِفُ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَشْقَى الْأَوَّلِينَ عَاقِرُ نَاقَةِ صَالِحٍ، وَأَشْقَى الْآخِرِينَ مَنْ خَضَّبَ هَذِهِ مِنْ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى خِضَابِ لِحْيَتِهِ مِنْ دَمِ رَأْسِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَسَنُ عَرَفَ بِهَذَا الْخَبَرِ كُفْرَ ابْنِ مُلْجِمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ لِاعْتِقَادِهِ اسْتِبَاحَةَ قَتْلِ عَلِيٍّ فَقَتَلَهُ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى وِلَايَةِ النِّكَاحِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ يَسْتَحِقُّهَا الْأَكَابِرُ دُونَ الْأَصَاغِرِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَا الْأَكَابِرُ وَالْقَوَدُ يَسْتَحِقُّهُ الْأَكَابِرُ وَالْأَصَاغِرُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ الْأَكَابِرُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ يَسْتَحِقُّهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَا أَحَدُهُمْ وَالْقَوَدُ يَسْتَحِقُّهُ جَمِيعُهُمْ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ بَعْضُهُمْ.