عَلَى الْمُدَّعِي بِالنُّكُولِ عَنْ يَمِينِ الرَّدِّ، لِأَنَّ قَصْدَ الْحَاكِمِ بِنُكُولِهِ حَقٌّ لَهُ، وَلَا يَكُونُ نُكُولُهُ عَنِ الرَّدِّ مَعَ الشَّاهِدِ قَدْحًا فِي الشَّاهِدِ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِشَهَادَتِهِ شَهَادَةُ غَيْرِهِ ثَبَتَتِ الْبَيِّنَةُ بِهِمَا، وَحُكِمَ لَهُ بِالْحَقِّ، وَإِنِ انْفَصَلَتِ الْمُحَاكَمَةُ بِالنُّكُولِ لِأَنَّ فَصْلَ الْمُحَاكَمَةِ بِالْأَيْمَانِ أَقْوَى، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ فِي سَمَاعِهَا فَصْلُهَا بِالنُّكُولِ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ، فَإِنْ عُدِمَ شَاهِدٌ آخَرُ سَقَطَ حُكْمُ الْبَيِّنَةِ، وَخُلِّيَ سَبِيلَ الْمُنْكِرِ.
وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي: إِنَّ يَمِينَ النُّكُولِ لَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِي: إِنَّ الْمُنْكِرَ يُحْبَسُ بِالشَّاهِدِ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُغَرَّمَ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْحَبْسَ عَلَى الْحُقُوقِ يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهَا، وَلَمْ يَثْبُتِ الْحَقُّ بِالشَّاهِدِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْبَسَ بِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَوَجَبَ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهِ.
(فَصْلٌ)
: وَيَتَفَرَّعُ عَلَى قِيَاسِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَنْكُلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إِذَا أَنْكَرَ عَنِ الْيَمِينِ قَبْلَ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ عَلَيْهِ، وَرُدَّتْ يَمِينُهُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَنَكَلَ عَنْهَا، ثُمَّ أَقَامَ شَاهِدًا، فَحَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِنُكُولِهِ، عَنْ يَمِينِ الرَّدِّ، كَانَ جَوَازُ إِحْلَافِهِ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ يَمِينِ الرَّدِّ، إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ، إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " فكل ما كَانَ مِنْ مَالٍ يَتَحَوَّلُ إِلَى مَالِكٍ مِنْ مَالِكٍ غَيْرِهِ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ مِثْلَهُ أَوْ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ قُضِيَ فِيهِ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ بِهِ مَالٌ مِنْ جُرْحٍ أَوْ قَتْلٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ أَوْ إِقْرَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْمَالَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ثَبَتَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ جَوَازُ الْحُكْمِ، بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً، فَكُلُّ مَا كَانَ مَالًا مِنْ دَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ، فَالدَّيْنُ مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ثَمَنٍ، أَوْ قَرْضٍ. وَالْعَيْنُ، مَا كَانَ فِي الْيَدِ مِنْ مَنْقُولٍ، كَالثَّوْبِ، وَالْعَبْدِ، أَوْ غَيْرِ مَنْقُولٍ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ، فَيُحْكَمُ لِمُدَّعِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَكَذَلِكَ مَا اسْتُفِيدَ بِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ مِنَ العقود
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute