للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا جَوَابٌ صَحِيحٌ عَنْ فَسَادِ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَكَانَ مِنْ صِحَّتِهَا أَنْ يَقُولَ: إِنَّ أَخَاهُ قَتَلَ أَخِي، وَأَنَا وَارِثُهُ، وَهَذَا مِنْ عَاقِلَتِهِ، لِتَتَوَجَّهَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى.

وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْضِرَ الْغَائِبَ إِلَّا بَعْدَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى بِمَا يَصِحُّ سَمَاعُهَا وَالْحُكْمُ فِيهَا بِبَيِّنَةٍ أو يمين.

ولو كان الدَّعْوَى عَلَى حَاضِرٍ فِي الْبَلَدِ، جَازَ لِلْقَاضِي إِحْضَارُهُ قَبْلَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي إِحْضَارِ الْغَائِبِ مَشَقَّةً، فَلَمْ يَلْزَمْ إِلَّا بَعْدَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى، وَلَيْسَ فِي إِحْضَارِ مَنْ فِي الْبَلَدِ مَشَقَّةٌ، فَجَازَ إِحْضَارُهُ قَبْلَ تَحْرِيرِ الدعوى.

[(فصل: سير الدعوى حين حضور الخصمين)]

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا، مِنْ وَاجِبِ إِعْدَاءِ الْمُسْتَعْدِي، وَحَضَرَ الْخَصْمَانِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، فَفَصْلُ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةِ فُصُولٍ:

أَحَدُهَا: ابْتِدَاءُ الْمُدَّعِي بِتَحْرِيرِ الدَّعْوَى، لِتَنْتَفِيَ عَنْهَا الْجَهَالَةُ، إِلَّا فِيمَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْوَصَايَا فَيَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَهَا مَجْهُولَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا مَجْهُولَةً وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى فِيمَا عَدَاهَا إِلَّا مَعْلُومَةً.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ جَازَ فَهَلَّا جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ مَجْهُولًا.

قِيلَ: لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْإِقْرَارِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَلَزِمَ بِالْمَجْهُولِ خِيفَةَ إِنْكَارِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بالدعوى حق لغيره.

(منع الجهالة) .

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالدَّعْوَى عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ مِنْ دَارٍ وَعَقَارٍ فَالْعِلْمُ بِهَا يَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: ذِكْرُ بَلَدِهَا، وَذِكْرُ مَكَانِهَا، وَذِكْرُ حُدُودِهَا الْأَرْبَعَةِ.

فَإِنْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ حُدُودٍ مِنْهَا، لَمْ يُقْنِعْ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَإِنِ اشْتَهَرَتِ الدَّارُ بِاسْمٍ فِي الْبَلَدِ لَا يُشَارِكُهَا غَيْرُهَا فِيهِ، مَيَّزَهَا بِذِكْرِ الِاسْمِ، لِأَنَّهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ.

وَلَفْظُ الدَّعْوَى فِي مِثْلِهَا، أَنْ يَقُولَ: لِي فِي يَدِهِ، وَلَا يَقُولُ: لِي عَلَيْهِ، وَلَا عِنْدَهُ.

ثُمَّ يَصِلُ هَذِهِ الدَّعْوَى، بِأَنْ يَقُولَ: وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَدْ بَاعَهَا عَلَيَّ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا، وَلَا يَلْزَمْ مَعَهُ الْبَيْعُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِيهِ، فَتَنْتَقِلُ الدَّعْوَى إِلَى الْبَيْعِ فتوصف.

<<  <  ج: ص:  >  >>