للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِرَقَبَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِلنَّفَقَةِ كَسَائِرِ الْمُلَّاكِ وَلِأَنَّهَا نَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنْ شَرَطَهَا الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، كَانَ الشَّرْطُ وَالرَّهْنُ بَاطِلَيْنِ. من غير شرط، كَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنَّفَقَةِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ، أَوْ أَذِنَ الْحَاكِمُ عِنْدَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَهُ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ النَّفَقَةِ وَمَا يَجِبُ مِنْهَا وَمَا لَا يَجِبُ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَتْ وَاجِبَةً.

وَالثَّانِي: مَا كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ.

وَالثَّالِثُ: مَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، فَأَمَّا مَا كَانَتْ وَاجِبَةً فَهِيَ نَفَقَةُ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ لَا رُخْصَةَ لَهُ فِي تَرْكِهَا، وَلَا تَخْيِيرَ بينها وبين غيرها.

فإن كانت مما تعلف ولا ترعى وجب عليه علفها، وإن كانت مما ترعى ولا تعلف وجب عليه رعيها ولم يكن له علفها. لأن ما يرعى ولا يعلف يضر به العلف.

وإن كَانَتْ مِمَّا تَرْعَى وَتُعْلَفُ مَعًا، فالراهن مخير بين رعيها وعلفها، إلا أن يكون الرعي مخوفا فليس له رعيها وعليه علفها حفظا لوثيقة الرهن.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا مَا كَانَتْ مِنَ النَّفَقَةِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ، فَنَفَقَةُ الدَّوَاءِ وَعِلَاجِ الْمَرَضِ لا يجب على الراهن، وقال الشافعي رحمه الله: لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَذْهَبُ بِغَيْرِ عِلَاجٍ وَكَذَلِكَ لو كان الرهن دارا فاستهدمت لَمْ يَلْزَمْهُ عِمَارَتُهَا.

فَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ عِلَاجَ مَا مَرِضَ وَمِرَمَّةَ مَا اسْتُهْدِمَ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ مِنْهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ كَانَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَمْنَعْهُ إِذَا كَانَ مَا يُعَالِجُهَا بِهِ نَافِعًا، فَإِنْ عَالَجَهَا بِشَيْءٍ يَنْفَعُ فِي حَالٍ وَيَضُرُّ فِي أخرى منع، فإن فعل ضمن.

فَأَمَّا مَا كَانَتْ مِنَ النَّفَقَةِ وَاجِبَةً عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، فَنَفَقَةُ الْحِفْظِ وَالْمُرَاعَاةِ وَارْتِيَادِ الْحِرْزِ وَالسَّكَنِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا بِمَالِهِ وجب عليه وكذا مؤونة نَقْلِ الرَّهْنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ إِلَى يَدِ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدِهِ وَاجِبَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ أَيْضًا.

وأما مؤونة رَدِّهِ بَعْدَ الْفِكَاكِ وَاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فَفِيهَا وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا عَلَى الرَّاهِنِ أَيْضًا لِتَعَلُّقِهَا بِالْمِلْكِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ رَدُّهُ بعد استيفاء الحق فكانت مؤونة الرَّدِّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>