دُخُولِهِ فِي حُكْمِ اللَّحْمِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُفْرَدُ عَنِ اللَّحْمِ، وَإِنْ أُفْرِدَ عَنْهُ الشَّحْمُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَحْمٌ، وَلَيْسَ شَحْمٌ، لِأَنَّهُ فِي صَلَابَةِ اللَّحْمِ وَكَثَافَتِهِ وَمَا بَيْنَ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ، وَإِذَا وُصِفَ قِيلَ: لَحْمٌ سَمِينٌ، فَكَانَ بِاللَّحْمِ أَخَصَّ بِهِ مِنَ الشَّحْمِ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الْأَلْيَةُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أحدهما: إنَّهَا مِنَ الشَّحْمِ لِتَمَيُّزِهَا مِنَ اللَّحْمِ، فَيَحْنَثُ بِهَا فِي الشَّحْمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي اللَّحْمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّهَا مِنَ اللَّحْمِ، لِاتِّصَالِهَا بِالْعَظْمِ، فَيَحْنَثُ بِهَا فِي اللَّحْمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي الشَّحْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ اللَّحْمِ وَلَا مِنَ الشَّحْمِ لِلتَّعْلِيلَيْنِ: فَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي الشَّحْمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي اللَّحْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا لَحْمُ الْخَدَّيْنِ مِنَ الرَّأْسِ ولحم اللسان، فينطلق عليه اسم اللَّحْم.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، هَلْ يَدْخُلُ فِي حِنْثِ الْحَالِفِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَدْخُلُ فِي حُكْمِ اللَّحْمِ، وَيَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، لِانْطِلَاقِ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ، وَإِنْ دَخَلَ فِي اسْمِهِ فَلَا يَحْنَثَ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الِاسْمِ الْمُطْلَقِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الِاسْمِ الْمُضَافِ، فَيُقَالُ: لَحْمُ الرَّأْسِ، وَلَحْمُ اللِّسَانِ، وَلَا يُقَالُ لَحْمٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الْكَبِدُ وَالْفُؤَادُ وَالطِّحَالُ، فَلَيْسَ بِلَحْمٍ فِي الِاسْمِ، وَلَا فِي الْحُكْمِ، وَلَا يَحْنَثَ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ فِي حُكْمِ اللَّحْمِ، وَيَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لحماً، استدلالاً بأمرين:
إنَّهُ يُبَاعُ مَعَهُ فِي الْعُرْفِ، فَدَخَلَ مَعَهُ فِي الْحُكْمِ.
وَالثَّانِي: إنَّهُ يُؤْكَلُ عَلَى صِفَةِ اللَّحْمِ مَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا مُنْفَرِدًا عَنْهُ وَمُمْتَزِجًا بِهِ، فَكَانَ عَلَى حُكْمِهِ.
وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ اللَّحْمَ فِي اسْمِهِ وَجَبَ أَنْ يُخَالِفَهُ فِي حُكْمِهِ، كَالرِّئَةِ وَالْكَرِشِ، وَبِهِ يَبْطُلُ مَا احْتَجَّ بِهِ.