وَيُسَمُّونَ بَنِي الْأَعْيَانِ. سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ أَيْ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات " وَالصِّنْفُ الثَّانِي الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ يُسَمُّونَ بَنِي العلات، يسموا بِذَلِكَ، لِأَنَّ أُمَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ تعِلَّ الْأُخْرَى، أَيْ لَمْ تسْقِهِ لَبَنَ رَضَاعِهَا، وَالْعَلَلُ الشُّرْبُ الثَّانِي وَالنَّهَلُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ قَالَ الشاعر
(والناس أبناء علات فمن علموا ... أن قد أقل فمجفو ومحقور)
(وهم بنو أم من أمسى له نشب ... فذاك بالغيب محظوظ وَمَنْصُورُ)
(وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرْنِ ... وَالْخَيْرُ متبع والشر محظور)
والصنف الثالث الإخوة والأخوات للأم يسمون بني الأخياف، والأخياف الأخلاط، لأنهم مِنْ أَخْلَاطِ الرِّجَالِ، وَلَيْسَ هُمْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْخَيْفُ مِنْ منى لِاجْتِمَاعِ أخلاط الناس فيه، وقيل: اختلاط الألوان الخافية وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
(النَّاسُ أَخْيَافٌ وَشَتَّى فِي الشِّيَمِ ... وَكُلُّهُمْ يَجْمَعُهُمْ بَيْتُ الْأُدُمِ)
يَعْنِي: أَنَّهُمْ أَخْلَاطٌ مِنْهُمُ الْجَيِّدُ، وَمِنْهُمُ الرَّدِيءُ، كَبَيْتِ الْأَدَمِ الَّذِي يَجْمَعُ الْجِلْدَ كُلَّهُ، فَمِنْهُ الْكُرَاعُ وَمِنْهُ الظَّهْرُ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأُمِّ فَيَسْقُطُونَ مَعَ أَرْبَعَةٍ: مَعَ الْأَبِ، وَمَعَ الْجَدِّ، وَمَعَ الْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَمَعَ وَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ من ذلك فهم في شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] وَقَدْ كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ "، وَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ تَفْسِيرًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تِلَاوَةً، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأُمِّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ من ذلك منهم شركاء في الثلث} .
وَأَمَّا الْكَلَالَةُ فَقَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْهَا فَقَالَ تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ يَعْنِي: قَوْلَهُ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: ١٧٦] لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَلَمْ يَفْهَمْهَا عُمَرُ وَقَالَ لِحَفْصَةَ رضي الله عنهما إِذَا رَأَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طيب نفسه فاسأليه، فرأت منه طيب نفس فسألته عنها فَقَالَ لَهَا: أَبُوكِ كَتَبَ لَكِ هَذَا مَا أَرَى أَبَاكِ يَعْلَمُهَا أَبَدًا، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا أرَانِي أَعْلَمُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute