للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْكَدُ ذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهَا وَقْتًا رَاتِبًا فِي السَّنَةِ مُعَيَّنًا فِي الْيَوْمِ فَشَابَهَتِ الْفَرَائِضَ، ثُمَّ يَلِيهَا فِي التَّأْكِيدِ صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ، ثُمَّ خُسُوفِ الْقَمَرِ لِوُرُودِ الْقُرْآنِ بِهِمَا، ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا النَّوَافِلُ الَّتِي سُنَّ فِعْلُهَا مُنْفَرِدًا، فَأَوْكَدُهَا صَلَاتَانِ الْوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَفِي أَوْكَدِهِمَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ أَوْكَدُ مِنَ الْوِتْرِ

وَالثَّانِي: هُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ الْوِتْرُ أَوْكَدُ مِنْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ

وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أَوْكَدُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " فَكَانَ ظَاهِرًا يَقْتَضِي تَفْضِيلَهَا عَلَى جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفَرَائِضَ أَفْضَلُ

وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ حَثَّ عَلَيْهَا وَأَمَرَ بِفِعْلِهَا

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَتْرُكُوهَا وَلَوْ دَهَمْتُمُ الْخَيْلَ "

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ حِينَ نَامَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بِالْوَادِي خَرَجَ مِنْهُ فَابْتَدَأَ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَقَدَّمَهَا عَلَى صَلَاةِ الْفَرْضِ. فَدَلَّ عَلَى تَأْكِيدِهَا، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ أَوْتَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَلَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِلَّا عَلَى الْأَرْضِ، وَجَعَلَهَا فِي حَيِّزِ الْفَرْضِ فَدَلَّ عَلَى تَفْضِيلِهَا؛ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَحْصُورَةٌ بالعدد لا يزاد عليها ولا ينقض مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَوْكَدَ مِنَ الْوِتْرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا عَدَدٌ مَحْصُورٌ، وَكَانَتْ أَوْكَدَ مِنَ النَّوَافِلِ الَّتِي لَهَا عَدَدٌ مَحْصُورٌ، وَلِأَنَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ تَتْبَعُ الصُّبْحَ، وَالْوِتْرَ يَتْبَعُ الْعِشَاءَ، وَالصُّبْحُ أَوْكَدُ مِنَ الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا صَلَاةُ الْوُسْطَى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعُهَا أَوْكَدَ مِنْ مَتْبُوعِ الْعِشَاءِ

وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ: أَنَّ الْوِتْرَ أَوْكَدُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أبو حنيفة عَلَى وُجُوبِهَا مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُقَدَّمَةِ فِي صَدْرِ الْبَابِ، وَلِأَنَّ الْوِتْرَ مَشْرُوعَةٌ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَوْكَدُ مِنْ فِعْلِهِ، وَلِأَنَّ الْوِتْرَ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا وَرَكْعَتِي الْفَجْرِ مُجْمَعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>