أَحَدُهُمَا: لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا بَذَلَتْ لَهُ الرَّضَاعَ فَكَانَ التَّفْرِيطُ مِنْهُ، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى مَنِ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَمُكِّنَ مِنْهَا فَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فَقَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ لَا يَسْقُطُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَيْنٌ وَالْأَعْيَانُ إِذَا قُلْتَ تَسْلِيمُهَا بِتَرْكِ مُسْتَحِقِّهَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهَا كَمَنِ ابْتَاعَ عَيْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى هَلَكَتْ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى بَائِعِهَا، كَذَلِكَ فَوَاتُ اللَّبَنِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ زَمَانِهِ أَنْ يَسْتَرْضِعَهَا وَلَدًا وَيَصِيرُ كَالْخُلْعِ عَلَى فَائِتٍ فَفِيمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَالثَّانِي: أُجْرَةُ رَضَاعِ الْحَوْلَيْنِ.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا إِذَا مَاتَتِ الْمُرْضِعَةُ فَقَدْ بَطَلَ الْخُلْعُ بِمَوْتِهَا، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا، لِأَنَّ الْعَقْدَ مُعَيَّنٌ فِي لَبَنِهَا، وَهَكَذَا لَوْ لَمْ تَمُتْ، وَلَكِنْ جَفَّ لَبَنُهَا وَانْقَطَعَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ اللَّبَنَ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِا وَقَدْ فَاتَ بِذَهَابِهِ، كَمَا فَاتَ بِمَوْتِهَا فَيَكُونُ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى.
فَأَمَّا إِنْ قَلَّ لَبَنُهَا وَلَمْ يَنْقَطِعْ، فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ بَعْدَ قِلَّتِهِ يَرْوِي الْوَلَدَ، فَالْخُلْعُ بِحَالِهِ، وَلَا خِيَارَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْوِيهِ لَمْ يَبْطُلْ فِيهِ الْخُلْعُ، لَكِنَّ الزَّوْجَ فِيهِ بِالْخِيَارِ، لِأَنَّ نَقْصَهُ عَيْبٌ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ، وَيُكْمِلَ إِرْضَاعَ وَلَدِهِ مِنْ لَبَنِ غَيْرِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ، وَفِيمَا يَرْجِعُ بِهِ بَعْدَ فسخه قولان والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ لَهُ أَبُو امْرَأَتِهِ طَلِّقْهَا وَأَنْتَ برئ من صداقها فطلقها ومهرها عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مُخَالَفَةَ الزَّوْجِ مَعَ أَبِي الزَّوْجَةِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُخَالِعَهُ عَنْهَا بِمَالِهِ فَيَقُولُ لَهُ: طَلِّقْ بِنْتِي بِأَلْفٍ لَكَ عَلَيَّ أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ الَّذِي لِي، فَهَذَا خُلْعٌ جَائِزٌ لَوْ فَعَلَهُ الزَّوْجُ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ مِنَ الْأَجَانِبِ جَازِ فَكَانَ الْأَبُ أَجْوَزَ، فَإِذَا طَلَّقَهَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْأَبِ مَا بَذَلَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُخَالِعَهُ الْأَبُ عَلَى مَالِهَا، كَأَنَّهُ قَالَ لِلزَّوْجِ: طَلِّقْهَا بِأَلْفٍ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي لَهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِهَا وَهِيَ جَائِزَةُ الْأَمْرِ، كَانَ الْأَبُ وَكِيلًا فِي الْخُلْعِ، صَحَّ خُلْعُهُ، كَمَا يَصِحُّ خُلْعُ الْوَكِيلِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ جَائِزَةَ الْأَمْرِ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ مَعَ رُشْدِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا، وَمَعَ الْحَجْرِ عَلَيْهَا يَتَصَرَّفُ فِي حِفْظِهِ دُونَ