للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى الزَّمَانَةِ حَتَّى لَمْ يُبْقِ فِيهِمَا نَهْضَةً وَلَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْحُضُورِ فِي جَمْعٍ فَفِيهِم وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِيهِمْ: هَلْ يُقْتَلُونَ إِذَا أُسِرُوا فِي الشِّرْكِ؟ فَإِنْ قِيلَ: يُقْتَلُونَ عَقَلُوا، وَإِنْ قِيلَ: لَا يُقْتَلُونَ لم يعقلوا.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيُؤَدِّي الْعَاقِلَةُ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ حِينِ يَمُوتُ الْقَتِيلُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، الدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِمَوْتِ الْقَتِيلِ، وَهُوَ أَوَّلُ أَجَلِهَا، سَوَاءٌ حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ فَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْأَجَلِ، احْتِجَاجًا بِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَقْلِ يُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ وُجُوبُهُ إِلَّا بِحُكْمٍ، وَلَمْ يَتَأَجَّلْ إِلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ كَالْعُنَّةِ.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ بِسَبَب تَعَلَّق وُجُوبه بِوُجُودِ السَّبَبِ كَالْأَثْمَانِ فِي الْمَبِيعِ تَجِبُ بِوُجُودِ الْمَبِيعِ وَهُوَ أَوَّلُ أَجَلِ الْمُؤَجَّلِ، وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَوْلُ فَلَمْ يَقِفِ ابْتِدَاؤُهَا عَلَى الْحُكْمِ كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ مُؤَجَّلَةً لَمْ يَقِفْ وُجُوبُهَا وَابْتِدَاؤُهَا عَلَى الْحُكْمِ كَالْمُقِرِّ بِقَتْلِ الْخَطَأِ،.

فَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِالِاخْتِلَافِ فِيهِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّ تَحَمُّلَ الدِّيَةِ نَصٌّ، وَفِي النَّصِّ عَلَى الْأَجَلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِمَا شَاذٌّ حَدَثَ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ فَكَانَ مُطْرَحًا.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا الدِّيَةَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا سِوَى النَّفْسِ فَإِنْ كَانَتْ فِي نَفْسٍ فَأَوَّلُ أَجَلِهَا مَوْتُ الْقَتِيلِ وَهُوَ وَقْتُ الْجِنَايَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بِتَوْجِيَةٍ أَوْ سِرَايَةٍ، لِأَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ لَا تَجِبُ إِلَّا بَعْدَ تَلَفِهَا، ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ الدِّيَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً.

وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً.

فَإِنْ كَانَتْ كَامِلَةً فَهِيَ دِيَةُ الرَّجُلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثَةِ سِنِينَ، يُؤَدَّى بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثُهَا، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّانِيَةِ ثُلُث ثَانٍ، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ الثُّلُث الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَتِ الدِّيَةُ نَاقِصَةً كَدِيَةِ الْمَرْأَةِ والذمي ففيها وجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>