للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَاوَةِ طَارِئَةٌ تَزُولُ بَعْدَ وُجُودِهَا وَتَحْدُثُ بَعْدَ عَدَمِهَا وَأَسْبَابُ الْأَنْسَابِ لَازِمَةٌ لَا تَحُولُ وَلَا تَزُولُ فَغَلُظَتْ هَذِهِ وَخَفَّفَتْ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَنْسَابَ مَحْصُورَةٌ مُتَعَيِّنَةٌ وَالْعَدَاوَةُ مُنْتَشِرَةٌ مُشْتَبِهَةٌ يُفْضِي تَرْكُ الْحُكْمِ مَعَهَا إِلَى امْتِنَاعِ كُلِّ مَطْلُوبٍ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ.

[(فصل: القول في التوثقة للمتنازعين) .]

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ التَّوْثِقَةُ لِلْمُتَنَازِعَيْنِ فِيمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ مِنَ الْحُقُوقِ: فَلَا يَخْلُو ثُبُوتُ الْحَقِّ عِنْدَهُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُثْبِتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ [بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

فَإِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ] مِنْ إِقْرَارِ خَصْمِهِ لَزِمَتْهُ إِجَابَتُهُ إِلَيْهِ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي عَلَى نَفْسِهِ بِثُبُوتِ حَقِّهِ عِنْدَهُ بِإِقْرَارِ خَصْمِهِ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ إِلَّا الْإِقْرَارَ الَّذِي قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ الْمُقِرُّ فَلَزِمَ الْقَاضِي إِثْبَاتُ حَقِّهِ بِالْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ لِيَكُونَ لَهُ حُجَّةً عِنْدَ إِنْكَارِ خَصْمِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَثْبُتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ خَصْمِهِ [فَيَلْزَمُ الْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِثُبُوتِ حَقِّ الْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ بَعْدَ نُكُولِ خَصْمِهِ] لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي غَيْرَ إِشْهَادِ الْقَاضِي عَلَى نَفْسِهِ.

فَإِنْ سَأَلَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ مَحْضَرًا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ فِي دَيْنٍ يسْتَوْفى عَاجِلًا لَمْ يَلْزَمْهُ كَتْبُ الْمَحْضَرِ بِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ فِي دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ فِي مِلْكٍ مُتَأَبَّدٍ فَفِي وُجُوبِ كَتْبِ الْمَحْضَرِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ بَيِّنَةٌ تُغْنِي عَنْهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي كَتْبُ الْمَحْضَرِ وَالْإِشْهَادُ لِيَكُونَ حُجَّةً مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مُطْلَقِ الشَّهَادَةِ فَيَكُونُ كَتْبُ الْمَحْضَرِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يُثْبِتَ الْحَقَّ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ يُقِيمُهَا الْمُدَّعِي عَلَى خَصْمِهِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْقَاضِي الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا سَأَلَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ بِالْحَقِّ بَيِّنَةً فَلَمْ يَلْزَمِ الْقَاضِي أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ بَيِّنَةً وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مُخَيَّرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>