وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلَا يَقْبَلَ قَوْلُهَا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ، أَنَّهَا مُؤْتَمَنَهٌ فِي الْعِدَّةِ، وَغَيْرُ مُؤْتَمَنَهٍ فِي لُحُوقِ النسب، فلو علق طلاقها بولاتها فَذَكَرَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ، فَفِي قَبُولِ قَوْلِهَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِهَا بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ كَمَا يُقْبَلُ فِي حَيْضِهَا.
وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا يُمْكِنُهَا إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَلَا يُمْكِنُهَا إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَيْضِ، فَصَارَ قَوْلُهَا فِي الْوِلَادَةِ مَقْبُولًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَغَيْرَ مَقْبُولٍ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ، وَفِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَفِي قَبُولِهِ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهَا بِهِ وَجْهَانِ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ لِصِغَرٍ أَوْ إِيَاسٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَإِنِ اتَّفَقَا فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ فَلَا نِزَاعَ بَيْنِهِمَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ فَادَّعَتِ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ وَلِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُدُوثِهِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا إِذَا حَلَفَ إِلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَاخْتَلَفَتْ وَالْوَرَثَةُ فِي وَقْتِ الْوَفَاةِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْوَرَثَةِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهَا وُقُوعُ فُرْقَةٍ كَالطَّلَاقِ، وَالْوَرَثَةُ يَقُومُونَ فِيهَا مقام الموروث.
فلوه ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ فِي شَوَّالٍ، وَادَّعَى الزَّوْجُ تَقْدِيمَهُ فِي رَمَضَانَ فَقَدِ ادَّعَتْ مَا هُوَ أَضَرُّ بِهَا فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَفِي قَبُولِ قَوْلِهَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ وَجْهَانِ، وَلَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي اخْتَلَفَا فِيهَا مِنَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي: (وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ تَحْرِيمَ الْمَبْتُوتَةِ حَتَّى تُرَاجَعَ وَطَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ طَرِيقُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ عَلَى مَسْكَنِهَا فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ لَا يَرَاهَا فَضْلًا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً، أو اثنتين بغير عوض، وهو مَدْخُولٌ بِهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ تَحْرِيمَ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَالنَّظَرِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَطَاءٍ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفة وأصحابه: يحل له وطئها وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا كَالزَّوْجَةِ بَلْ جَعَلَ وَطْأَهُ لَهَا رجعة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute