وَالْكَلَامُ فِي الرَّجْعَةِ بِالْوَطْءِ يَأْتِي وَهُوَ مَقْصُورٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] فَسَمَّاهُ بَعْلًا دَلَالَةً عَلَى بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَإِبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَالتَّبَعُّلِ. قَالَ: وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا يَقَعُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ، فَوَجَبَ أَلَّا يَقَعَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ.
قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَغْلَظُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِبْطَالُهُ، وَلَهُ إِبْطَالُ الطلاق الرجعي.
قال: ولأنها مدة مضروبة للترخص لَا تَمْنَعُ مِنَ اللِّعَانِ فَوَجَبَ أَلَّا تَقْتَضِيَ التحريم كمدة اللعنة وَالْإِيلَاءِ.
قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَتَضَمَّنُ إِسْقَاطَ حَقِّهِ، فَإِذَا لَمْ يُزَلْ بِهِ الْمِلْكُ لَمْ يَقَعْ بِهِ التَّحْرِيمُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَوِ اقْتَضَى التَّحْرِيمَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُرَاجِعَ إِلَّا بِعَقْدِ مُرَاضَاةٍ كَالْمُتَقَضِيَةِ الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لم يوطئها، وَلَمَا تَوَارَثَا بِالْمَوْتِ وَلَمَا وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ، وَلَمَا صَحَّ مِنْهَا ظِهَارُهُ كَالْمَبْتُوتَةِ وَفِي ثُبُوتِ ذَلِكَ كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِبَاحَتِهَا كَالزَّوْجَةِ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلك} : [الطلاق: ٢] فَدَلَّ عَلَى خُرُوجِهَا بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِالرَّجْعَةِ، ثم قال: {إذا أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِصْلَاحُ الطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْفَسَادِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَلَيْسَ فِي تَسْمِيَتِهِ بَعْلًا دَلِيلٌ عَلَى رَفْعِ التَّحْرِيمِ كَالْمُحَرَّمَةِ وَالْحَائِضِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعُمْرَ (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَلِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَمُرُّ عَلَى مَسْكَنِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ حَتَّى رَاجَعَ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً كَالْبَائِنِ.
وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ يَمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ بِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَالْمُخْتَلِعَةِ.
وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْنًى أَوْقَعَ الْفُرْقَةَ أَوْقَعَ التَّحْرِيمَ كَالْفَسْخِ.
وَلِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ مُضَادٌّ لِحُكْمِ النِّكَاحِ فَلَّمَا كَانَ كُلُّ نِكَاحٍ إِذَا صَحَّ أَوْجَبَ الْإِبَاحَةَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ طَلَاقٍ إِذَا وَقَعَ أَوْجَبَ التَّحْرِيمَ.
فَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ جَعَلْنَاهَا دَلِيلًا.
وَأَمَّا الْجَوَابَ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى قَوْلِهِ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا فَلَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِدُخُولِ الدَّارِ ثَلَاثًا لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهَا؛ لِعَدَمِ وُقُوعِهَا وَهَذِهِ قَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَثَبَتَ تَحْرِيمُهَا كَالْبَائِنِ بِثَلَاثٍ أَوْ دونها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute