أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا بَعْدَ النَّذْرِ كَالْأَمَانَةِ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ عِتْقِهِ، لَا يَضْمَنُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهَا، لِتَعَلُّقِ نَذْرِهَا بِذِمَّتِهِ لِجِهَةٍ بَاقِيَةٍ، وَخَالَفَ نَذْرَ الْعِتْقِ لِعَدَمِ الْجِهَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ لَهُ، فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَضْمَنُهَا بِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: بِمِثْلِهَا.
وَالثَّانِي: بِقِيمَتِهَا.
وَالثَّالِثُ: بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ: فَهَذَا حُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ.
(فَصْلٌ:)
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُعَيِّنَ هَدْيَهُ، وَيُسَمِّي جِنْسًا يَعُمُّ أَنْوَاعًا كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً فَاسْمُ الْبَدَنَةِ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى الْوَاحِدِ مِنَ الْإِبِلِ، وَلَا يَعُمُّ أَنْوَاعًا وَيُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْوَاحِدِ مِنَ الْإِبِلِ، وَعَلَى الْوَاحِدِ مِنَ الْبَقَرِ، وَعَلَى سَبْعٍ مِنَ الْغَنَمِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ " فَنَحَرْنَا الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ "، فَيَصِيرُ اسْمُ الْبَدَنَةِ فِي الشَّرْعِ جِنْسًا، يَعُمُّ أَنْوَاعًا، فَيُحْمَلُ نَذْرُهُ عَلَى مُوجِبِ الشَّرْعِ دُونَ الْعُرْفِ، فَيَلْزَمُهُ فِي نَذْرِ هَدْيِ بَدَنَةٍ، أَنْ يَنْحَرَ بَعِيرًا، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ سَبْعًا مِنَ الْغَنَمِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ لُزُومِهَا وَجْهَانِ، كَمَا قُلْنَاهُمَا فِي إِفْسَادِ الْحَجِّ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَلْزَمُهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ فِي نَحْرِ أَيِّهَا شَاءَ مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ، أَوْ سَبْعٍ مِنَ الْغَنَمِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَلْزَمُهُ عَلَى وَجْهِ التَّرْتِيبِ، فَيَنْحَرُ بَعِيرًا، فَإِنْ عَدِمَهُ نَحَرَ بَقَرَةً، فَإِنْ عَدِمَهَا، نَحَرَ سَبْعًا مِنَ الْغَنَمِ، لِأَنَّ اسْمَ الْبدنِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْإِبِلِ عُرْفًا، وَشَرْعًا فَصَارَتْ أَصْلًا قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا) {الحج: ٣٦) . يُرِيدُ بِهَا الْإِبِلَ فَإِذَا تَقَرَّرَ الْوَجْهَانِ، فَهَلْ يُرَاعى فِيهَا شُرُوط الضَّحَايَا فِي السِّنِّ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْعُيُوبِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُرَاعى شُرُوط الضَّحَايَا اعْتِبَارًا بِمُطْلَقِ الِاسْمِ، فَيُجْزِئُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا، وَسَلِيمُهَا، وَمَعِيبُهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُرَاعى شُرُوط الضَّحَايَا مِنْ سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِعُرْفِ الشَّرْعِ، فَلَا يُجْزِئُ مِنْهَا إِلَّا السَّلِيم مِنْ عُيُوبِ الضحايا ويجز الْخَصِيُّ فِيهَا لِإِجْزَائِهِ فِي الضَّحَايَا، وَلَا يُجْزِئُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، إِلَّا الثَّنِيَّ، فَصَاعِدًا، وَيُجْزِئُ الضَّأْنُ الْجَذَعُ، فَإِنْ عَدِمَ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا إِلَى الْإِطْعَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي الشَّرْعِ بَدَلًا مِنْهَا لِانْتِفَاءِ اسْمِ الْبَدَنَةِ عَنْهَا وَنَحْنُ نُرَاعِي فِي النذر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute