للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ)

إِذَا غَرَسَ الرَّجُلُ غَرْسًا فِي أَرْضِهِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْغَرْسَ إِذَا كَبُرَ وَطَالَ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُهُ إِلَى دَارِ الْجَارِ، لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقَلْعِهِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ قَلْعَ الْأَغْصَانِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي دَارِهِ وَلَيْسَتْ فِي الْحَالِ مَوْجُودَةً.

وَقَدْ لَا تُوجَدُ مِنْ بَعْدُ، وَإِنْ وُجِدَتْ فَقَدْ يَزُولُ مِلْكُ الْجَارِ فِيمَا بَعْدُ. وَهَكَذَا لَوْ أَرَادَ حَفْرَ بِئْرٍ فِي أَرْضِهِ، وَكَانَتْ تَصِلُ نَدَاوَةُ الْبِئْرِ إِلَى حَائِطِ جَارِهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ حَفْرِهَا، لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ، كَمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ وَقُودِ النَّارِ وَإِنْ تَأَذَّى بِالدُّخَانِ.

(فَصْلٌ)

إِذَا مَالَ حَائِطُ الرَّجُلِ إِلَى دَارِ جَارِهِ، فَطَالَبَهُ الْجَارُ بِإِزَالَةِ الْمَيْلِ عَنْ دَارِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَعَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ أَنْ يَهْدِمَهُ لِيَزُولَ الْمَيْلُ. أَوْ يَهْدِمَ مِنْهُ الْقَدْرَ الْمَائِلَ. لِيَتَصَرَّفَ الْجَارُ فِي هَوَاءِ دَارِهِ كُلِّهِ.

وَلَوْ كَانَ مَيْلُ الْحَائِطِ إِلَى دَارِ صَاحِبِهِ، وَكَانَ الْجَارُ خَائِفًا مِن انْهِدَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ لَمْ يَلْزَمْ هَدْمُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ حَقًّا وَلَا أتلف عليه ملكا، وانهدامه في الثاني مضنون وَقَدْ لَا يَكُونُ.

(فَصْلٌ)

حَكَى أَبُو بَكْرِ بن إدريس عن أبي حامد المروروذي أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيَّ سُئِلَ عَنْ شَجَرَةِ الْأُتْرُجِّ إِذَا انْتَشَرَتْ أَغْصَانُهَا إِلَى مِلْكِ رَجُلٍ، وَدَخَلَ رَأَسُ الْغُصْنِ فِي بَرْنِيَّةٍ لَهُ وَانْعَقَدَتْ فِيهِ أُتْرُجَّةٌ وَكَبُرَتْ، وَلَمْ يُمْكِنْ إِخْرَاجُهَا إِلَّا بقطع الغصن والأترجة أو كسر البرنية ما الْوَاجِبُ؟

فَقَالَ الْوَاجِبُ قَطْعُ الْغُصْنِ وَالْأُتْرُجَّةِ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّةُ، لِأَنَّ الْغُصْنَ لَمَّا شَرَعَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَانَ مَأْخُوذًا بِإِزَالَتِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُزِلْهُ صَارَ مُسْتَعْدِيًا بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْتَزِمَ حُكْمَ تَعَدِّيهِ. وَيَكُونُ الْقَطْعُ الْمُتَقَدِّمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ صَاحِبِ الْبَرْنِيَّةِ تَعَدٍّ فِي وَضْعِهَا فِي مِلْكِهِ.

فَقِيلَ لِأَبِي حَامِدٍ مَا تَقُولُ فِي الْبَرْنِيَّةِ إِذَا كَانَتْ وَدِيعَةً. فِي بَيْتِ رَجُلٍ، فَوَضَعَهَا فِي سَطْحِهِ حَتَّى وَقَعَتْ فِيهَا أُتْرُجَّةٌ مِنْ غُصْنِ جَارِهِ فَقَالَ: يَقْطَعُ الْأُتْرُجَّةَ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّةُ.

لِأَنَّ قَطْعَ الْغُصْنِ قَدْ كَانَ مُسْتَحَقًّا مِنْ قَبْلُ. وَذَلِكَ أَسْبَقُ مَنْ وَضْعِ الْبَرْنِيَّةِ، فَقِيلَ لَهُ فَمَا تَقُولُ إِنْ كَانَتِ الشَّجَرَةُ فِي دَارِهِ وَالْبَرْنِيَّةُ فِي يَدِهِ قَالَ يُقْطَعُ الْغُصْنُ أَيْضًا لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّةُ. لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِوَضْعِ الْبَرْنِيَّةِ بِحَيْثُ يَدْخُلُ غُصْنُ الشَّجَرَةِ فِيهَا.

فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي حَيَوَانٍ بَلَعَ لُؤْلُؤَةً. قَالَ لَا آمُرُ بِذَبْحِهِ وَأَتْرُكُهُمْ حَتَّى يَصْطَلِحُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>