للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا أَقَلُّ الْعَدَدِ الَّذِي يُدْرَكُ بِهِ الْجَمَاعَةُ فَهُوَ اثْنَانِ يَأْتَمُّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَيُدْرِكَانِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ "

وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَحَيْثُ كَثُرَتِ الْجَمَاعَةُ أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْجَمْعِ الْيَسِيرِ وَالْجَمَاعَةُ الْيَسِيرَةُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَنْزِلِ فَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهَا فِي الْجَمْعِ الْكَثِيرِ أَفْضَلُ مَا رَوَاهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صَلَاةُ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الْوَاحِدِ كُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى " وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَنْزِلِ مَا رَوَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِنُورٍ تَامٍّ فِي الْقِيَامَةِ "

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يُكْتَبُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ " وَأَمَّا إذا لم يكن في المسجد قَبِيلَتِهِ، أَوْ مَحَلَّتِهِ مَنْ يُقِيمُ بِالْجَمَاعَةِ الْيَسِيرَةِ غَيْرُهُ وَكَانَ فِي ذَهَابِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، وَالْجَمْعِ الْأَكْبَرِ تَعْطِيلٌ لِجَمْعِ مَسْجِدِهِ الْيَسِيرِ، فَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِهِ وَجَمْعِهِ الْيَسِيرِ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي الْجَمْعِ الْكَثِيرِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ ظُهُورِهَا، وَكَثْرَةِ انتشارها، أو عمارة الْمَسَاجِدِ بِإِقَامَتِهَا

(فَصْلٌ)

وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ ثُمَّ دَخَلَهُ قَوْمٌ لَمْ يُدْرِكُوا الْجَمَاعَةَ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً كَرِهْنَا ذَلِكَ إِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنٌ ثَابِتٌ وَإِمَامٌ مُنْتَدَبٌ قَدْ رَسَمَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَافٍ وَتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ وَتَشَتُّتِ الْكَلِمَةِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ يظهر طَرِيقٍ تُصَلِّي فِيهِ الْمَارَّةُ، وَالْمُجْتَازُونَ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مِرَارًا، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي رضي الله عَنْهُ: " وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ ذَاتِ الرِّيحِ، أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ " قَالَ فِيهِ أَقُولُ لِأَنَّ الْغَائِطَ يَشْغَلُهُ عَنِ الْخُشُوعِ قَالَ فَإِذَا حَضَرَ فِطْرُهُ أَوْ طَعَامُ مَطَرٍ وَبِهِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ وَكَانَتْ نَفْسُهُ شَدِيدَةَ التَّوَقَانِ إِلَيْهِ أَرْخَصْتُ لَهُ فِي تَرْكِ إِتْيَانِ الْجَمَاعَةِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) وَقَدِ احْتَجَّ فِي موضعٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فابدءُوا بِالْعَشَاءِ " (قَالَ الْمُزَنِيُّ) فَتَأَوَّلَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِئَلَّا يَشْغَلَهُ منازعةُ نَفْسِهِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا مَا فِيهِ مَقْنَعٌ وغنى، وذكرنا

<<  <  ج: ص:  >  >>