للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِنْكَارُ؟ أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ أَخَوَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا وَرِثَاهَا عَنْ أَبِيهِمَا فَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدَهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرَ، فَكَانَ النِّصْفُ الْمُقَرُّ شِرْكَةً بَيْنَهُمَا فَتَعَدَّى الْإِقْرَارُ إِلَى الْمُكَذَّبِ وَلَمْ يَتَعَدَّ الْإِنْكَارُ إِلَى الْمُصَدَّقِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَجْهَيْنِ مَضَيَا.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الثَّانِيَ يَلْحَقُ بِهِ مَعَ الْأَوَّلِ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِحَال اللُّحُوقِ، فَإِنْ كَانَ لُحُوقُ الثَّانِي لِإِمْسَاكِهِ عَنْ نَفْيِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي لُحُوقِهِمَا بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إِمْسَاكِهِ تَكْذِيبُ الْقَذْفِ، وَإِذَا كَانَ لُحُوقُ الثَّانِي لِاعْتِرَافٍ بِهِ وَقَدْ كَانَ قَالَ فِي لِعَانِهِ فِي نَفْيِ الْأَوَّلِ إِنَّهُ منْ زنَا وَجَبَ عَلَيْهِ إِذَا أَلْحَقْنَاهُمَا بِالِاعْتِرَافِ حَدُّ الْقَذْفِ لِمَا فِي الِاعْتِرَافِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ تَكْذِيبِ نَفْسِهِ فِي قَذْفِهِمَا بِالَآخَرِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا نَفَى بِاللِّعَانِ وَلَدَيْنِ تَوْأَمَيْنِ انْتَفَى الْوَلَدُ عَنْهُ وَلَمْ يَنْتَفِيَا عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَكَانَا مُلْحَقَيْنِ بِهَا دُونَهُ وَهَكَذَا تَوْأَمُ الزِّنَا يحلقان بِالزَّانِيَةِ دُونَ الزَّانِي، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ أُمِّهِ يَقِينًا وَمِنْ أَبِيهِ ظَنًّا، فَرَفَعَ الشَّرْعُ حُكْمَ الظَّنِّ فِي الزَّانِي وَلَمْ يَرْفَعْ حُكْمَ الْيَقِينِ فِي الزَّانِيَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَرِثَا الْأُمَّ وَوَرِثَتْهُمَا وَلَمْ يَرِثَا الزَّانِيَ وَلَا الْمُلَاعِنَ وَلَمْ يَرِثَاهُمَا، وَفِيمَا يَتَوَارَثُ بِهِ هَذَانِ التَّوْأَمَانِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: مِيرَاثُ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِعِلْمِنَا قَطْعًا أَنَّهُمَا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ، لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا أَبٌ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَا أَخَوَيْنِ مِنْ أَبٍ وصار أَخَوَيْنِ مِنْ أُمٍّ لِأَنَّ لَهُمَا أُمًّا فَوَرِثَا بِالْأُمِّ لَمَّا وَرِثَاهَا، وَلَمْ يَرِثَا بِالْأَبِ لَمَّا لَمْ يَرِثَاهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ تَوْأَمَ الْمُلَاعَنَةِ يَتَوَارَثَانِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَتَوْأَمَ الزِّنَا يَتَوَارَثَانِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ، لِأَنَّ تَوْأَمَ الْمُلَاعَنَةِ لو استلحقا صار أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَتَوْأَمَ الزِّنَا لَا يَصِيرَانِ بِالِاسْتِلْحَاقِ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَافْتَرَقَا.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي: " وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْتَعَنَ نُفِيَ عَنْهُ الحي والميت ولو نفى ولدها بلعان ثم ولدت آخر بعده بيوم فأقر به لزماه جميعاً لأنه حمل واحد وحد لها إن كان قذفها ولو لم ينفه وقف فإن نفاه وقال التعاني الأول يكفيني لأنه حمل واحد لم يكن ذلك له حتى يلتعن من الآخر (وقال) بعض الناس لو مات أحدهما قبل اللعان لاعن ولزمه الولدان وهما عندنا وعنده حمل واحد فكيف يلاعن ويلزمه الولد؟ قال من قبل أنه ورث الميت قلت له ومن زعم أنه يرثه)) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الِالْتِعَانِ جَازَ أَنْ يَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ بَعْدَ موته.

<<  <  ج: ص:  >  >>