للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجَازَ فِي مَوْضِعٍ عَتَقَهُمَا وَمَنَعَ مِنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِهِمَا فِي فَهْمِ الْإِشَارَةِ، فَأَمَّا إِنِ اجْتَمَعَ فِيهِمَا الْخَرَسُ وَالصَّمَمُ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا مُؤَثِّرٌ مِنَ الْعَمَلِ ومقتضى عرفهم الْإِشَارَةُ وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْعَمْيَاءِ لِإِضْرَارِ الْعَمَى بِالْعَمَلِ، وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمَقْطُوعَةِ الْيَدَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا وَلَا عِتْقُ الْمَقْطُوعَةِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا، بِخِلَافِ الْعَوْرَاءِ لِأَنَّ ذَهَابَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ مُضِرٌّ بِالْعَمَلِ، وَكَذَلِكَ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَذَهَابَ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ غَيْرُ مُضِرٍّ بِالْعَمَلِ، وَيُجْزِئُ عِتْقُ الْعَرْجَاءِ إِذَا كان عرجها قليلاً، وَلَا يُجْزِئُ إِذَا كَانَ كَثِيرًا، لِأَنَّ قَلِيلَهُ غَيْرُ مُضِرٍّ؟ وَكَثِيرَهُ مضرٍ، وَتُجْزِئُ الْمَقْطُوعَةُ الْخِنْصَرِ أَوِ الْبِنْصِرِ مِنْ إِحْدَى الْأَطْرَافِ، أَوِ الْخَنَاصِرِ وَالْبَنَاصِرِ مِنَ الْأَطْرَافِ كُلِّهَا، وَلَا يُجْزِئُ إِذَا اجْتَمَعَ قَطْعُ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ مِنْ طَرَفٍ واحدٍ، وَيَجُوزُ إِنْ كَانَا مِنْ طَرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا مُضِرٌّ وَافْتِرَاقَهُمَا غَيْرُ مُضِرٍّ، وَلَا تُجْزِئُ الْمَقْطُوعَةُ الْإِبْهَامِ أَوِ السَّبَّابَةِ أَوِ الْوُسْطَى، لِأَنَّ قَطْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصَابِعِ الثَّلَاثِ مُضِرٌّ، فَأَمَّا قَطْعُ الْأُنْمُلَةِ الْوَاحِدَةِ فَيُمْنَعُ مِنْهَا إِنْ كَانَتْ فِي الْإِبْهَامِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا إِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْأَصَابِعِ، لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ أَنَامِلِ غَيْرِ الْإِبْهَامِ أَكْثَرُ، بِخِلَافِ الْإِبْهَامِ وَالشَّلَلُ فِي الْأَطْرَافِ كَالْقَطْعِ فَمَا مُنِعَ مِنْهُ الْقَطْعُ مُنِعَ مِنْهُ الشَّلَلُ، وَمَا جَازَ مَعَ الْقَطْعِ جَازَ مَعَ الشَّلَلِ، فَإِذَا لَمْ تُجْزِ الْقَطْعَاءُ فَأَوْلَى أَنْ لَا تُجْزِئَ الْمُقْعَدَةُ وَلَا ذَاتُ الزَّمَانَةِ، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ فَإِنْ كَانَ مَرَضُهَا مَرْجُوًّا كَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ مَاتَتْ، وَإِنْ كَانَ مَرَضُهَا غَيْرَ مَرْجُوٍّ كَالسُّلِّ وَالْفَالِجِ لَمْ تُجْزِ وَإِنْ صَحَّتْ، وَأَمَّا عِتْقُ الشَّيْخِ وَالْعَجُوزِ، فَعِتْقُهُمَا مُجْزِئٌ، مَا لَمْ يَنْتَهِيَا إِلَى الْهِرَمِ الْمُضِرِّ بِالْعَمَلِ فَلَا يُجْزِئُ، وَسَوَاءٌ فِي الْإِجْزَاءِ أَعَتَقَ ذَاتَ الضَّعَةِ وَغَيْرَ ذَاتِ الضَّعَةِ، وَيُجْزِئُ عِتْقُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ لِكَمَالِ عَمَلِهِمَا، وَكَذَلِكَ يُجْزِئُ عِتْقُ الْخُنْثَى، فَأَمَّا عِتْقُ الْجَذْمَاءُ فَإِنْ كَانَ الْجُذَامُ فِي الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ أَوِ الشَّفَةِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ كَانَ فِي أَطْرَافِ الْبَدَنِ وَالرِّجْلَيْنِ لَمْ يُجْزِ، لِأَنَّهُ مضرٌّ بِالْعَمَلِ فِي الْأَطْرَافِ وَغَيْرُ مُضِرٍّ بِالْعَمَلِ فِي غَيْرِ الْأَطْرَافِ وَيُجْزِئُ عِتْقُ الْأَبْرَصِ وَالْبَرْصَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضِرٍّ بالعمل، وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوِ اشْتَرَى مِنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ إِلَّا الْوَالِدون وَالْمَوْلُودُونَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَحَدًا مِنْ وَالِدَيْهِ أَوْ مَوْلُودَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ، وَأَعْتَقَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ وَسَائِرُ الْكَلَامِ مَعَهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، وَإِنْ مَضَى فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَذَكَرْنَا أَنَّ مَنِ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَاوِيًا بِهِ الْعِتْقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ تَجْزِهِ، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَنْعِ مِنْ إِجْزَائِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>