وَقَبْلَ وُجُودِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ يُرَادُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَجَازَ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَكُونُ الطَّعَامُ وَالْهَدْيُ إِلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى وَالصَوْمُ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ فِي الصَّوْمِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِدْيَةَ الْوَاجِبَةَ فِي الْحَجِّ عَلَى ثلاثة أضرب:
أحدها: إما أَنْ يَكُونَ هَدْيًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ طَعَامًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ صِيَامًا، فَأَمَّا الْهَدَايَا مِنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ فَعَلَيْهِ إِيصَالُهَا إِلَى الْحَرَمِ وَنَحْرُهَا فِيهِ وَتَفْرِيقُهُ لَحْمَهَا عَلَى مَسَاكِينِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) {الحج: ٣٣) وقَوْله تَعَالَى: {هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ) {المائدة: ٩٥) وَإِذَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: إِمَّا أَنْ يَنْحَرَهَا فِي الْحَرَمِ وَيُفَرِّقَهَا فِي الْحَرَمِ، أَوْ يَنْحَرَهَا فِي الْحِلِّ وَيُفَرِّقَهَا فِي الْحِلِّ، أَوْ يَنْحَرَهَا فِي الحل ويفرقها في الحرم.
والقسم الرابع: وهو أن ينحرها من الحل ويفرق لحمها من الْحَرَمِ. فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَنْحَرَهَا فِي الْحَرَمِ وَيُفَرِّقَ لَحْمَهَا طَرِيًّا فِي الْحَرَمِ، فَهُوَ الْوَاجِبُ الْمُجْزِئُ إِجْمَاعًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْحَرَهَا مِنَ الْحَرَمِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَعِنْدَ الْمَرْوَةِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُحَلُّلِهِ وَإِنْ كَانَ حَاجًّا فَبِمِنًى؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تحلله، وأين نحر منه فِجَاجِ مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ حُرْمَةَ جَمِيعِهِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ رَوَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " عرفة كلها موقفٌ ومزدلفة كلها موقفٌ وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَمَنْحَرٌ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخُصَّ بِهَا مَنْ كَانَ قَاطِنًا فِي الْحَرَمِ دُونَ مَا كَانَ طَارِئًا إِلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاطِنَ فِيهِ أَوْكَدُ حُرْمَةً مِنَ الطَّارِئِ إِلَيْهِ، فَإِنْ فَرَّقَهَا عَلَى الطَّارِئِينَ إِلَيْهِ دُونَ الْقَاطِنِينَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ بِدُخُولِهِمْ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لِمَا يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْرٌ مَعْلُومٌ وَلَا عَدَدُ مَنْ يُعْطِيهِ مَعْلُومٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ مَسَاكِينَ مَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَنْحَرَهَا فِي الْحِلِّ وَيُفَرِّقَهَا فِي الْحِلِّ، فَهَذَا غَيْرُ مُجْزِئٍ إِجْمَاعًا، إِلَّا دَمَ الْإِحْصَارِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ نَحْرُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، فَأَمَّا غَيْرُ دَمِ الْإِحْصَارِ مِنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فَلَا تُجْزِئُ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَحِلَّهَا، وَلَا فرقت في مستحقيها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute