للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(البقرة: ١٨٤) فَكَانَ هَذَا عَامًّا فِي كُلِّ مُطِيقٍ إِلَّا مَا قَامَ دَلِيلُهُ، وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " ومن أَفْطَرَ رَمَضَانَ بمرضٍ ثُمَّ صَحَّ فَلَمْ يقضِ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ فَلْيَصُمْ مَا أَدْرَكَهُ ثُمَّ لِيَقْضِ الَّذِي فَاتَهُ وَلْيُطْعِمْ عَنْ كُلِّ يومٍ مسكيناً " ولأنها عبادة تجب الكفارة بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ، فَجَازَ أَنْ تَجِبَ بِتَأْخِيرِهَا الْكَفَّارَةُ كَالْحَجِّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهِ وَتَجِبُ بِفَوَاتِ عَرَفَةَ هَذَا مَعَ إِجْمَاعِ سِتَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ خِلَافٌ، فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرٍ) {البقرة: ١٨٥) فَلَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّ الْفِدْيَةَ لَمْ تَجِبْ بِالْفِطْرِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِالتَّأْخِيرِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ وَالتَّمَتُّعِ، فَيَفْسُدُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ إِذَا أَخَّرَهُ بِأَكْلٍ أَوْ جِمَاعٍ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ، أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِإِفْسَادِ شَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ، فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ أَعْوَامًا، لَمْ تَلْزَمْهُ إِلَّا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي، عَلَيْهِ بكل عام فدية.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " فإذا مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ حَتَّى مَاتَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ أَيَّامٍ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ فَلَمْ يَصُمْهَا حَتَّى مَاتَ، فَلَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ وَلَا كَفَّارَةَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ، سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ أَيْضًا وَوَجَبَ فِي مَالِهِ الْكَفَّارَةُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ، وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ: يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ إِنْ شَاءَ أَوْ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَصُومُ عَنْهُ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، قَالَ: لِأَنَّهُ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ فَإِنْ صَحَّ قُلْتُ بِهِ، فَخَرَّجَهُ قَوْلًا ثَانِيًا، وَأَنْكَرَهُ سَائِرُ أَصْحَابِنَا أَنْ يَكُونَ لِلشَّافِعِيِّ مَذْهَبًا، وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ الصَّوْمَ عَنِ الْمَيِّتِ بِمَا رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ الصِّيَامُ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

<<  <  ج: ص:  >  >>