للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ إنَّهُ يَبَرُّ إِنْ كَانَ بِقِيمَةِ حَقِّهِ، وَيَحْنَثُ إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ حَقِّهِ، وَوَهِمَ الْمُزَنِيُّ فَنَقَلَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَيْسَ لِلْقِيمَةِ مَعْنًى، لِأَنَّ يَمِينَهُ إِنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ لَمْ يَبَرَّ إِلَّا بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ، وَالْعِوَضُ غير الحق، سوى أو لم يساو فَيُقَالُ لِلْمُزَنِيِّ: نَقْلُكَ خَطَأٌ وَجَوَابُكَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ، وَقَدْ أَفْصَحَ بِمَذْهَبِهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ إنَّهُ يَحْنَثُ، وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى بِرِّهِ بِأَخْذِ الْبَدَلِ بِأَنَّهُ إِذَا أَخَذَ عَنْ مِائَةِ دِينَارٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ صَارَ عَلَيْهِ بِأَخْذِ الْأَلْفِ مِائَةُ دِينَارٍ، فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ سُقُوطَ الْحَقِّ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَأْخُوذِ وَهُوَ دَرَاهِمُ وَالْحَقُّ دَنَانِيرُ، فَصَارَ آخذا لِبَدَلِ الْحَقِّ، وَلَيْسَ بآخذٍ لِلْحَقِّ، وَلِأَنَّنَا أَجْمَعْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ لَوْ كَانَ حَقُّ الْحَالِفِ ثَوْبًا فَصَالَحَ عَنْهُ بِدَرَاهِمَ أَخَذَهَا مِنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَخَذَ عَنِ الدَّرَاهِمِ ثَوْبًا أَوْ أَخَذَ عَنِ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ حَنِثَ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي الْحَالَيْنِ بَدَلَ حَقِّهِ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِعَيْنِهِ وَفِيهِ جوابٌ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا إِذَا حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ: أَسْتَوْفِي حَقِّي فَأَخَذَ بِحَقِّهِ بَدَلًا بَرَّ فِي يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِأَخْذِ الْبَدَلِ مُسْتَوْفِيًا مَا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنَ الْحَقِّ حَنِثَ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ، وَلَوْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا حَنِثَ أَيْضًا، لِأَنَّ الرَّهْنَ وثيقةٌ، وَلَوْ أَحَالَهُ بِالْحَقِّ حَنِثَ، لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى مَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا نَقَلَهُ إِلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَحَالَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى الْغَرِيمِ بَرَّ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى بِالْحَوَالَةِ حَقَّهُ، وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً أَرْشُهَا بِقَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً لَمْ يَبَرَّ، لِأَنَّ أَرْشَهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَأَرْشُهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَحَقُّهُ فِي ذِمَّةِ غَرِيمِهِ، فَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَاضَاهُ، لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، فَيَحْنَثُ لِبَقَاءِ حَقِّهِ عَلَى غريمه، وإن كانا جنس واحدٍ فَهَلْ يَكُونُ قِصَاصًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: يَكُونُ قِصَاصًا، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا، فَعَلَى هَذَا فَقَدَ بَرَّ فِي يَمِينِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ قِصَاصًا وَإِنْ تَرَاضَيَا، فَعَلَى هَذَا قَدْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَكُونُ قِصَاصًا مَعَ التَّرَاخِي، وَلَا يَكُونُ قِصَاصًا مَعَ عَدَمِ التَّرَاخِي، فَعَلَى هَذَا إِنْ تَرَاضَيَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا حَنِثَ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " حَدُّ الْفِرَاقِ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي كَانَا فِيهِ أَوْ مَجْلِسِهِمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صحيحٌ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ أَنْ يَصِيرَ كُلُّ واحدٍ مِنْهُمَا فِي مَكَانٍ لَا يُنْسَبُ إِلَى مَكَانِ صَاحِبِهِ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَا جَعَلْنَاهُ افْتِرَاقًا فِي الْبَيْعِ فِي سقوط

<<  <  ج: ص:  >  >>