للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِذَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فَصَلَّاهُمَا جَالِسًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَجْزَأَ كَسَائِرِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ، وَإِذَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فَإِنْ صَلَّاهُمَا جَالِسًا مَعَ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ لِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَافَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ فَلَوْ جَازَ فِعْلُهُمَا جَالِسًا لَأَجْزَأَهُ فِعْلُهُمَا رَاكِبًا، فَلَمَّا نَزَلَ وَصَلَّاهُمَا عَلَى الْأَرْضِ دَلَّ عَلَى أَنَّ فَرْضَهَا الْقِيَامُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَاتِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الطَّوَافِ وَتَبَعِهِ فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَطُوفَ رَاكِبًا وَمَحْمُولًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ طَوَافُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَطَوَافُ الْقُدُومِ وَالزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ كُلُّ ذَلِكَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي كل طواف.

[فصل]

: ويختار أن يدعو عقيبهما بِمَا رَوَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عمدا إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ بَلَدُكَ وَمَسْجِدُكَ الْحَرَامُ وَبَيْتُكَ الْحَرَامُ، أَنَا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، أَتَيْتُكَ بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ، وَخَطَايَا جَمَّةٍ، وَأَعْمَالٍ سيئةٍ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ، فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَعَوْتُ عِبَادَكَ إِلَى بَيْتِكَ الْحَرَامِ وَقَدْ جِئْتُ طَالِبًا رَحْمَتَكَ مُتَّبِعًا مَرْضَاتَكَ وَأَنْتَ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ فَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".

فَصْلٌ

: فَإِنْ تَرَكَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا: فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُمَا مُسْتَحَبَّتَانِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُمَا وَاجَبَتَانِ قَضَاهُمَا فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنْ قَضَاهُمَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ قَضَاهُمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا طَافَ بِالْبَيْتِ نَظَرَ، وَإِذَا بِالشَّمْسِ لَمْ يَتِمَّ طُلُوعُهَا، فَرَكِبَ حَتَّى أَنَاخَ بِذِي طُوًى فَصَلَّاهُمَا هُنَاكَ، وَلِأَنَّ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ لَيْسَتَا بِأَوْكَدَ مِنْ سَائِرِ المفروضات فلما لم يختص شيء منه الْفَرَائِضَ بِمَوْضِعٍ فَرَكْعَتَا طَوَافٍ أَوْلَى أَنْ لَا يختص بموضع.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ عَادَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ويستحب أن يأتي المتلزم فَيَدْعُوَ عِنْدَهُ. فَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ مُلْتَزَمٌ مَنْ دَعَا مِنْ ذِي حَاجَةٍ أَوْ ذِي كربةٍ أَوْ ذِي غَمٍ فُرِّجَ عَنْهُ بِإِذْنِ اللَّهِ " وَيُخْتَارُ أَنْ يَلْصِقَ صَدْرَهُ، وَوَجْهَهُ بِالْمُلْتَزَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>