للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مَوْضِعُهَا حِرْزًا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَخُصَّهَا حَيْثُ تَرْضَى لِئَلَّا يَلْحَقَ بِالزَّوْجِ مَنْ لَيْسَ لَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا أَنَّ السُّكْنَى فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَلِلْمُعْتَدَّةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى حَال الزَّوْجِيَّةِ إِلَى حِينِ الْوَفَاةِ فَتَعْتَدَّ بِالْمَوْتِ فَهَذِهِ الَّتِي فِي وُجُوبِ سُكْنَاهَا قَوْلَانِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ فَيَمُوتُ زَوْجُهَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَلَهَا السُّكْنَى قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالْوَفَاةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِهَا حُكْمُ السُّكْنَى، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا اسْتَكْمَلَتْ فِيهِ عِدَّتَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِ أَخَذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ قَدْرَ أُجْرَتِهِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَكُونَ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَيَمُوتُ زَوْجُهَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتُعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ دُونَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا كَمَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ، فَأَمَّا السُّكْنَى فَإِنْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَانَ وُجُوبُهُ لِهَذِهِ أَوْلَى، وَإِنْ قِيلَ بِسُقُوطِهِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَانَ فِيهِ لِهَذِهِ الرَّجْعِيَّةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا سُكْنَى لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَوْكَدَ حَالًا مِنَ الزَّوْجَاتِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ اسْتِصْحَابًا لِوُجُوبِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِدَّتِهَا كَالْبَائِنِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا تَفَرَّعَتْ أَحْكَامُ السُّكْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا اسْتَقَرَّتْ فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ وَرُوعِيَ حَالُ مَسْكَنِهَا فَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلزَّوْجِ أُخِذَ الْوَرَثَةُ جَبْرًا بِإِقْرَارِهَا فِيهِ وَأُخِذَتْ جَبْرًا إِنِ امْتَنَعَتْ بِالسُّكْنَى فِيهِ، وَإِنْ رَاضَاهَا الْوَرَثَةُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ أَحَدُهُمَا أَوِ السُّلْطَانُ جَبْرًا بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يُضَاعُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْكَنُهَا مِلْكًا لِلزَّوْجِ وَجَبَ فِي تَرِكَتِهِ أُجْرَةُ مَسْكَنِهَا، وَقُدِّمَتْ بِهِ عَلَى الْوَصَايَا وَالْمِيرَاثِ، فَإِنْ زَاحَمَهَا الْغُرَمَاءُ اسْتَهَمُوا فِي التَّرِكَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي فَلَسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ تَرِكَةٌ يَحْتَمِلُ السُّكْنَى لَمْ يَلْزَمِ الْوَرَثَةَ دَفْعُهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَدَفَعَهَا السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِقَامَةِ مَا تَعَبَّدَ بِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ دَفْعُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ سَكَنَتِ الْمُعْتَدَّةُ حَيْثُ شَاءَتْ، وَحَفِظَتْ فِي نَفْسِهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقَّ الْمَيِّتِ.

وَإِنْ قِيلَ بِسُقُوطِ السُّكْنَى فَلَا حَقَّ لَهَا فِي تَرِكَتِهِ وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حيث شاءت؛ لأنه إذا أسقط حقها في السُّكْنَى سَقَطَ مَا عَلَيْهَا مِنْهُ إِلَّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>