للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِمَا أَنْ يَشْهَدَا بِالْإِقْرَارِ الْمُطْلَقِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَا فِي الْبَاطِنِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يُؤَدِّي مَا تَحَمَّلَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ. أَنَّ عَلَيْهِمَا أَنْ يَشْهَدَا بِالْإِقْرَارِ الْمُطْلَقِ وَيُخْبِرَا بِمَا عَلِمَا فِي الْبَاطِنِ، لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَنْقُلُ إِلَى الْحَاكِمِ بِمَا عَلِمَهُ.

فَسَوَاءٌ كَانَ إِقْرَارًا أَوْ غَيْرَ إِقْرَارٍ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا عَلَيْهِ مَعَ مَا تَحَمَّلَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا عَلِمَهُ يُنَافِي مَا تَحَمَّلَهُ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا تَحَمَّلَهُ فَيَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ ... وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي اجْتِهَادِ الشَّاهِدِ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا قَدْ صَارَتْ فِي عُنُقِهِ جِنَايَةٌ عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ فِي مَالٍ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَلَوْ أَبْطَلَ رَبُّ الْجِنَايَةِ حَقَّهُ لِأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ بِحَقٍّ لَهُ فِي عُنُقِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

عَمْدٍ يُوجِبُ الْقَوَدَ وَقَدْ مَضَى حُكْمُهُ، وَخَطَأٍ يُوجِبُ الْمَالَ وَهَذَا مَوْضِعُهُ فَإِذَا كَانَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ خَطَأً تُوجِبُ الْمَالَ فَقَدْ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ لِيُبَاعَ فِي جِنَايَتِهِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا وَجَبَتِ ابْتِدَاءً فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ سَقَطَ أَرْشُهَا لِفَوَاتِ رَقَبَتِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا وَجَبَتِ ابْتِدَاءً فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ وُجُوبُهَا إِلَى رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أُعْتِقَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَرْشُهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ وَجَبَتْ فِي رَقَبَتِهِ لَكَانَ كَالْحَقِّ الْمَرْهُونِ فِيهِ لَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ عِتْقِهِ إِلَى ذِمَّتِهِ.

وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ. لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ فِي الِابْتِدَاءِ مَا جَازَ أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى رَقَبَتِهِ فِي الِانْتِهَاءِ كَالدَّيْنِ، لَمَّا كَانَ وُجُوبُهُ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى رَقَبَتِهِ.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ فَإِنْ فَدَاهُ السَّيِّدُ مِنْ جِنَايَتِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْهَا جَازَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْهَنَهُ لِفَكَاكِ رَقَبَتِهِ، وَخَلَاصِهِ مِنْ جِنَايَتِهِ فَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بَاقِيًا فِي رَقَبَتِهِ لَمْ يَجُزْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْهَنَهُ لِأَنَّهُ مرهون بأرش جنايته، فإن رهنه باطلا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ فِي رَهْنِهِ قَوْلًا ثَانِيًا إِنَّهُ جَائِزٌ إِذَا كَانَ مُوسِرًا وَهُوَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا وَجَبَتْ فِي الِابْتِدَاءِ فِي ذِمَّتِهِ. فَإِنْ فَدَاهُ السَّيِّدُ اسْتَقَرَّ رَهْنُهُ وَإِنْ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ بَطَلَ رَهْنُهُ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ رَهْنَهُ بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ أَوْكَدُ مِنْ حَقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>