للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبَيَانُهُ: أَنَّ أبا حنيفة أَوْجَبَ النِّيَّةَ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فَاقْتَضَى أَنْ تَجِبَ النِّيَّةُ فِي فَرْضِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ فَهُوَ أَنَّ وَجْهَيِ اسْتِدْلَالِنَا يَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْنَا بِهَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ فهو: أن في قوله: توضأ كما أمرك اللَّهُ، وَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالنِّيَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَمْرَ الْأَعْرَابِيِّ مُتَضَمِّنٌ النِّيَّةَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أحدها: أن قوله طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْجَامِدِ وَالْمَائِعِ سَوَاءٌ فِي سُقُوطِ النِّيَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْأَصْلِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَانْتَقَضَتِ النِّيَّةُ، بِالتَّيَمُّمِ.

والثاني: أنا نقلبه عليهم، فنقول فوجب أن يستوي الطَّهَارَةُ بِالْمَائِعِ وَالْجَامِدِ فَيَ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ قِيَاسًا عَلَى إِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ إِزَالَةَ الْأَنْجَاسِ طَرِيقُهَا التَّرْكُ، وَالتُّرُوكُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ. كَتَرْكِ الرِّبَا وَالْقَتْلِ، وَالْغَصْبِ، وَالْوُضُوءُ فِعْلٌ، وَالْفِعْلُ مِنْ شَرْطِهِ النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، مَخْصُوصٌ مِنْ سَائِرِ التُّرُوكِ بِإِيجَابِ النِّيَّةِ فِيهِ،، وَالْقِيَاسِ عَلَى الْجُمْلَةِ دُونَ الْمَخْصُوصِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي النَّجَاسَةِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ لَا تَتَعَدَّى إِلَى مَحَلِّ مُوجِبِهَا. وَالْحَدَثُ يَتَعَدَّى مَحَلَّ مُوجِبِهِ كَالتَّيَمُّمِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ، عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّهَارَةُ لِاخْتِصَاصِهَا بِالصَّلَاةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ مُقَارِنٌ لِلصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، فَاكْتَفَى بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ الْوُضُوءِ، لِأَنَّ فِعْلَهُ يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ، وَإِنَّمَا يَسْتَصْحِبُ حُكْمَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُجِزْهُ نِيَّةُ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِطَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ فَهُوَ: أَنَّ طَهَارَتَهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ، وَكَذَلِكَ لَزِمَهَا إِعَادَةُ الطَّهَارَةِ إِذَا أَسْلَمَتْ، وَإِنَّمَا أَجَزْنَا غَسْلَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ، لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ مُضَيَّقٌ، وَفِي مَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا إِلَّا بَعْدَ إِسْلَامِهَا تَفْوِيتٌ لِحَقِّهِ وَمَنْعٌ مِنْ تَزْوِيجِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَصَارَتْ كَالْمَجْنُونَةِ الَّتِي يَسْتَبِيحُ زوجها وطأها إذا اغتسلت في جنوبها بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ، وَلَوْ أَفَاقَتْ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا إِذَا اغْتَسَلَتْ إِلَّا بِنْيَةٍ كَذَلِكَ الذِّمِّيَّةُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضِهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا إذا اغتسلت إلا بنية.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ النِّيَّةِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَقَدْ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: وُضُوءٌ، وَغُسْلٌ وَتَيَمُّمٌ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>