[(مسألة)]
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَحُكِيَ فِي أَدَاءِ الْخُطْبَةِ اسْتِوَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ قَائِمًا ثُمَّ سلم وجلس على المستراح حتى فرغ المؤذنون ثم قام فخطب الأولى ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الثَّانِيَةَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
يُخْتَارُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمْعَةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَلَا يُبَكِّرَ، اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَاقْتِدَاءً بِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مَنْ أَقْرَبِ أَبْوَابِهِ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا دَخَلَ تَوَجَّهَ نَحْوَ مِنْبَرِهِ مِنْ غَيْرِ رُكُوعٍ وَلَا تَنَفُّلٍ، وَيُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ مِنَ الْقِبْلَةِ عَلَى يَمِينِ مُسْتَقْبِلِهَا وَيَسَارِ مُسْتَدْبِرِهَا فَإِذَا انتهى إليه رقا خَاشِعًا مُسْتَكِينًا، غَيْرَ عَجِلٍ وَلَا مُبَادِرٍ، فَإِنْ كان المنبر صغيرا وقف منه على الدار الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا وَقَفَ على الدرجة السابقة، وَقَدْ كَانَ مِنْبَرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاثَ دَرَجٍ فَكَانَ يَقِفُ مِنْهُ عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقِفُ عَلَى الثَّانِيَةِ، دُونَ مَوْقِفِ، رَسُولِ اللَّهِ بِدَرَجَةٍ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَقَفَ عَلَى الْأُولَى، دُونَ مَوْقِفِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِدَرَجَةٍ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَعِدَ إِلَى الثَّانِيَةِ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَوْقِفُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَجَعَ إِلَى الثَّالِثَةِ فَوَقَفَ عَلَيْهَا، وَهِيَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ثُمَّ إِنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمَ قَلَعَ الْمِنْبَرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَزَادَ فِيهِ سِتَّ دَرَجٍ، فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعًا، وَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَرْتَقُونَ إِلَى الدَّرَجَةِ السَّابِعَةِ، السِّتَّةُ الَّتِي زَادَهَا مَرْوَانُ، وَالسَّابِعَةُ هِيَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.
وَأَيْنَ وَقَفَ مِنَ الْمِنْبَرِ جَازَ، فَإِذَا انْتَهَى الْإِمَامُ إِلَى مَوْقِفِهِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ، وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ، وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ جَلَسَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة: السَّلَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ غَيْرُ مَسْنُونٍ. وَهَذَا خَطَأٌ، لِرِوَايَةِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذَا دَنَا مِنَ الْمِنْبَرِ سَلَّمَ، ثُمَّ صَعِدَ وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، فَإِذَا جَلَسَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْأَذَانِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ، فَإِذَا أَذَّنَ جَمَاعَةٌ جَازَ.
وَهَذِهِ الْجَلْسَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ أَوْجَبَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute