فَهَذَا جُمْلَةُ مَا فِي وَطْءِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مِنَ الْأَحْكَامِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا وَطْءُ الزَّوْجِ. وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ ذَاتَ زَوْجٍ، فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ الرَّاهِنَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَطْءَ الرَّاهِنِ ذَرِيعَةٌ إِلَى خُرُوجِهَا مِنَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ فَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ، وَوَطْءُ الزَّوْجِ لَا يُخْرِجُهَا مِنَ الرَّهْنِ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ.
وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِالزَّوْجِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالزَّوْجِ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ الْمَرْهُونَةِ فِيهِ وَبَيْنَ فَسْخِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا ذَاتَ زَوْجٍ نَقْصٌ يُوكِسُ مِنْ ثَمَنِهَا.
فَلَوِ ارْتَهَنَهَا وَهِيَ خَلِيَّةٌ مِنْ زَوْجٍ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّقْصِ الدَّاخِلِ عَلَى رَهْنِهِ. فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ فَاسِدًا.
فَلَوِ ارْتَهَنَهَا وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ قَدِ ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ فَصَارَتْ خَلِيَّةً وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُزَوِّجَ الْخَلِيَّةَ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَكِنْ لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا جَازَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ مَعَ الرَّجْعَةِ مُقِيمٌ عَلَيْهَا بالنكاح المتقدم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ إِلَى أَجَلٍ فَأَذِنَ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ فَبَاعَهُ فَجَائِزٌ وَلَا يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا وَلَا مَكَانَهُ رَهْنًا لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ الْبَيْعُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَقِّ إِذْنًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ الْحَقِّ مِنْ ثَمَنِهِ فَالْإِذْنُ صَحِيحٌ، وَالْبَيْعُ نَافِذٌ وَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا صَحَّ الْبَيْعُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ مَالِكِ الْإِذْنِ وَبَطَلَ الرَّهْنُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَزَوَالُ الْمَلِكِ مُبْطِلٌ لِلرَّهْنِ كَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ إِنَّمَا كَانَ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ بِحَقِّهِ وَمَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْ بَيْعِهِ. وَإِذْنُهُ فِي الْبَيْعِ مُبْطِلٌ لِمَعْنَى الرَّهْنِ. فَكَذَلِكَ إِذَا بِيعَ بِإِذْنِهِ بَطَلَ الرَّهْنُ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْبَيْعِ وَبُطْلَانُ الرَّهْنِ. فَالثَّمَنُ لِلرَّاهِنِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ قِصَاصًا، وَلَا أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ رَهْنًا.
أما التَّعْجِيلُ فَلِأَنَّ الْحَقَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُهُ إِلَّا بِرِضَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَالرَّاهِنُ غَيْرُ رَاضٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ تعجيله.