للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَالِغُ الْحَاضِرُ أَنْ يُقْسِمَ، أَوِ الْمُكَذِّبُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، قِيلَ لَهُ: لَا يُحْكَمُ لَكَ بِحَقِّكَ مِنَ الدِّيَةِ إِلَّا أَنْ تَسْتَوْفِيَ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ كُلَّهَا. وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُكَ فِي الِاجْتِمَاعِ بَعْضُهَا، لِأَنَّ عَدَدَ الْأَيْمَانِ حُجَّةٌ لَكَ فِي قَبُولِ دَعَوَاكَ، كَالْبَيِّنَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ بِهَا إِلَّا بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا كَمَا لَا يُحْكَمُ بِالْبَيِّنَةِ، إِلَّا بَعْدَ كَمَالِهَا، فَإِذَا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا حُكِمَ لَهُ بِحَقِّهِ مِنَ الدِّيَةِ، فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ، أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِحَقِّهِ مِنَ الدِّيَةِ حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى دَمِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَالْأَيْمَانُ فِي الْقَسَامَةِ حُجَّةٌ كَالْبَيِّنَةِ فَهَلَّا كَانَ وَجُودُهَا مِنْ بَعْضِهِمْ حُجَّةً لِجَمِيعِهِمْ كَالْبَيِّنَةِ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النِّيَابَةَ فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَصِحُّ وَفِي الْأَيْمَانِ لَا تَصِحُّ.

الثَّانِي: إِنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ عَامَّةٌ وَالْأَيْمَانُ حُجَّةٌ خَاصَّةٌ، فَلِهَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِيهَا بِأَيْمَانِ أَخِيهِ، وَإِنْ ثَبَتَ حَقُّهُ بِبَيِّنَتِهِ.

فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا، لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنِ اثْنَيْنِ فَصَارَا بَعْدَ أَيْمَانِ الْأَخِ كَالْمُجْتَمِعَيْنِ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ غَائِبٌ، حَلَفَ إِذَا حَضَرَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا، لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ رَابِعٌ، حَلَفَ إِذَا حَضَرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَمِينًا، لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِثَالُ هَذَا الشُّفْعَةُ إِذَا اسْتَحَقَّهَا أَرْبَعَةٌ وَحَضَرَ أَحَدُهُمْ كَانَ لَهُ أَخْذُ جَمِيعِهَا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِحَقِّهِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهَا شُرَكَاؤُهُ فَصَارَ فِيهَا كَالْمُنْفَرِدِ بِهَا، فَإِذَا قَدِمَ الثَّانِي أَخَذَ النِّصْفَ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنِ اثْنَيْنِ - فَإِذَا قَدِمَ الثَّالِثُ أَخْذَ الثُّلُثَ، لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَإِذَا قَدِمَ الرَّابِعُ، أَخَذَ الرُّبُعَ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَإِنْ تَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ ابْنًا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا يَجْبُرُ عَلَيْهِ كَسْرَ الْيَمِينِ) وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَبَعَّضُ، فَلِذَلِكَ جَبَرْنَا كَسْرَهَا، كَمَا يُجْبَرُ كَسْرُ الطَّلَاقِ، والإقرار، والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ مَاتَ مِنَ الْوَرَثَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْقَسَامَةِ مِثْلَ أَنْ يَمُوتَ وَاحِدٌ مِنِ اثْنَيْنِ، وَيُخَلِّفَ بَعْدَ مَوْتِهِ ابْنَيْنِ فَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ثلاثة أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ قَسَامَتِهِ فَقَدْ مَلَكَ حَقَّهُ مِنَ الدِّيَةِ بِأَيْمَانِهِ، فَيُنْقَلُ ذَلِكَ إِلَى وَرَثَتِهِ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ فَإِنْ قِيلَ: إِذَا لَمْ تَجْعَلُوا لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَمْلِكَ حقه من الدية بيمين غيره فلما جَعَلْتُمْ لِأَوْلَادِ هَذَا الْمَيِّتِ أَنْ يَمْلِكُوا ذَلِكَ بِأَيْمَانِ أَبِيهِمْ؟ قِيلَ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ عَنْ أَبِيهِمْ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهِمْ بِأَيْمَانِهِ، وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْأَخُ عَنْ أَخِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَ بأيمان أخيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>