للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَاكِمًا لِنَفْسِهِ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَكَمَا لَا يَرْجِعُ مُسْتَوْدَعُ الدَّابَّةِ عَلَى رَبِّهَا بِثَمَنِ عُلُوفَتِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى غَائِبٍ فَجَازَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ صَاحِبُهُ إِلَيْهِ بِحَسَبِ الْمُكْنَةِ كَمَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْمَمْنُوعِ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى أَخْذِهِ مِنْ مَالِ من هو عليه جهراً وسراً بحكم غير حُكْمٍ وَخَالَفَ ذَلِكَ حَالَ مُسْتَوْدَعِ الدَّابَّةِ لِتَطَوُّعِهِ بِاسْتِيدَاعِهَا فَصَارَ مُتَطَوِّعًا بِنَفَقَتِهَا فَهَذَا حُكْمُ الْجَمَّالِ إِذَا هَرَبَ وَخَلَفَ الْجَمَلَ مَعَ الرَّاكِبِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ بِالْجَمَلِ مَعَهُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْإِجَارَةِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْتَأْجِرُ عَلَى الْجَمَّالِ جَمَلًا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الرَّاكِبُ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَمَّالِ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ قَرْضًا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مَعْدُومًا فَلَوْ دَفَعَ الْحَاكِمُ الْمَالَ إِلَى الرَّاكِبِ لِيَكْتَرِيَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ لِبَائِعِ السَّلَمِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى مُشْتَرِيهِ مَالًا يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْحَاكِمُ لِلْجَمَّالِ مَالًا وَلَا مُقْرِضًا نَظَرَ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ تَنْقَضِي بَطَلَتْ بِالْفَوَاتِ وَكَانَتِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ دَيْنًا عَلَى الْجَمَّالِ يَتْبَعُهُ بِهَا الرَّاكِبُ مَتَى وَجَدَهُ أَوْ وَجَدَ لَهُ مَالًا وَإِنْ كَانَتْ إِلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ تَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ وَكَانَ الرَّاكِبُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَاتِّبَاعِ الْجَمَّالِ بِالْأُجْرَةِ وَبَيْنَ الْمُقَامِ عَلَى الْإِجَارَةِ وَأَخْذِ الْجَمَّالِ بِهَا مَتَى وُجِدَ وَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ مُعَيَّنَةً عَلَى بَعِيرٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْجَمَّالِ بَعِيرًا غَيْرَهُ لِأَنَّ مَا تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ الْبَدَلُ كَمَنِ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا بِعَيْنِهِ فَشَرَدَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ بَدَلَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نُظِرَ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ بَطَلَتْ بِانْقِضَائِهَا وَكَانَ الْمُسَمَّى مِنَ الْأُجْرَةِ دَيْنًا عَلَى الْجَمَّالِ إِنْ قَبَضَهُ وَإِنْ كَانَتْ إِلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ تَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ وَكَانَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ لِاسْتِضْرَارِهِ بِالتَّأْخِيرِ بَيْنَ الْمُقَامِ وَالْفَسْخِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ بَعِيرًا لِيَرْكَبَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مَتَاعًا بَدَلًا مِنْ رُكُوبِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الرَّاكِبَ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْبَعِيرِ فِي مَسِيرِهِ مُتَقَدِّمًا وَمُتَأَخِّرًا فَصَارَ بِذَلِكَ أَسْهَلَ عَلَى الْبَعِيرِ مِنَ الْمَتَاعِ. وَلَوْ كَانَ قَدِ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ مَتَاعٍ فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ بَدَلًا مِنَ الْمَتَاعِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَتَاعَ يَتَفَرَّقُ فِي جَنْبَيِ الْبَعِيرِ فَصَارَ بِذَلِكَ أَسْهَلَ عَلَى الْبَعِيرِ مِنَ الرَّاكِبِ الَّذِي يَرْكَبُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهِ. وَلَوِ اسْتَأْجَرَهُ وَلَمْ يُسَمِّ رُكُوبًا وَلَا حِمْلًا كَانَتِ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةً. وَهَكَذَا لَوْ ذَكَرَ رُكُوبًا وَلَمْ يُعَيِّنْ رَاكِبَهُ أَوْ ذَكَرَ حِمْلًا وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَهُ أَوْ ذَكَرَ قَدْرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ جِنْسَهُ بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ لِلْجَهْلِ بِهَا.

فَصْلٌ

: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا شَهْرًا اعْتُبِرَ فِي صِحَّةِ إِجَارَتِهَا شَرْطَانِ

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَذْكُرَ النَّاحِيَةَ الَّتِي يَرْكَبُهَا فِيهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ تَخْتَلِفُ بِالْحُزُونَةِ وَالسُّهُولَةِ فَإِنْ أَغْفَلَ ذِكْرَ النَّاحِيَةِ بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ الْمَكَانَ الَّذِي يُسَلِّمُهَا فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْكَبُهَا مُسَافِرًا إِلَى بَلَدٍ تَكُونُ مُسَافَتُهُ شَهْرًا فَيَكُونُ تَسْلِيمُهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَقَدْ يَرْكَبُهَا ذَاهِبًا وَعَائِدًا مُدَّةَ شَهْرٍ فَيَكُونُ تسليمه

<<  <  ج: ص:  >  >>