وَالدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِ الْحَدَّيْنِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: إِنَّ " مِنْ " حَرْفٌ لِابْتِدَاءِ غَايَةِ الشَّيْءِ، وَ " إِلَى " حَرْفٌ لِانْتِهَاءِ غَايَةِ الشَّيْءِ، وَابْتِدَاءُ الشَّيْءِ وَانْتِهَاؤُهُ طَرَفَاهُ، وَطَرَفَا الشَّيْءِ مِنْ جُمْلَتِهِ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ دُخُولُ الْحَدِّ فِي الْمَحْدُودِ.
وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ بِالْأَدَاءِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهَا عِشْرِينَ دِينَارًا فَقَدْ دَخَلَ فِيهَا جَمِيعُ مَهْرِهَا فَبَرِئَ مِنْهُ، عَشْرَةٌ مِنْهَا مُتَحَقَّقَةٌ وَالْعَشْرَةُ الْأُخْرَى مَشْكُوكَةٌ، فَتَحْتَاجُ أَنْ يُبَرِّئَهَا مِنْ دِينَارٍ إِلَى عَشْرَةٍ فَيُبَرِّئَانِ جَمِيعًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهَا عَشْرَةً فَيَحْتَاجُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُبَرِّئَةَ لَهُ مِنْ دِينَارٍ إِلَى عَشْرَةٍ فَيَبْرَأُ حِينَئِذٍ مِنْ جَمِيعِ مَهْرِهَا بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ.
وَإِذَا كَانَ مَهْرُهَا معلوماُ فِي الذِّمَّةِ فَقَالَتْ: قَدْ أَبْرَأْتُكَ مِنْهُ إِنْ شِئْتَ فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ، لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ.
وَلَوْ كَانَتْ عَيْنًا قَائِمَةً فَقَالَتْ: قَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ إِنْ شِئْتَ فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ وَشِئْتُ، صَحَّتِ الْهِبَةُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْإِبْرَاءَ إِسْقَاطٌ لَا يُرَاعَى فِيهِ الْمَشِيئَةُ كَمَا لَا يُرَاعَى فِيهِ الْقَبُولُ، وَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ يُرَاعَى فِيهِ الْمَشِيئَةُ كَمَا يُرَاعَى فِيهِ الْقَبُولُ فَافْتَرَقَا.
فَصْلٌ
وَإِذَا اعْتَقَدَتْ قَبَضَ مَهْرِهَا مِنْهُ فَقَالَتْ: قَدْ أَبْرَأْتُكَ مِنْ مَهْرِي، ثُمَّ بَانَ أَنَّ مَهْرَهَا كَانَ بَاقِيًا عَلَيْهِ فَفِي بَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ يَبْرَأُ مِنْهُ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ صَادَفَتْ حَقًّا مَعْلُومًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ تَصْحِيحَ الْإِبْرَاءِ بَلْ أَوْرَدَتْهُ لَغْوًا.
وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ: مَنْ بَاعَ عَبْدَ أَبِيهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ وَارِثًا لَهُ وَقْتَ بَيْعِهِ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وجهان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute