للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْزَمُ بِالْإِقْرَارِ، كَشُفْعَةِ الْجِوَارِ إِذَا قَالَ: قَدْ حَكَمْتُ بِهَا عَلَى نَفْسِي لِلْجَارِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ حُكْمًا عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهَا بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ لَزِمَتْهُ، وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِمُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ لِلْجَدِّ فِي الْمِيرَاثِ وَكَانَ جَدًّا نَفَذَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ أَخًا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ لَهَا.

فَأَمَّا حُكْمُهُ لِأَحَدٍ مِنْ وَالِدَيْهِ، وأن يعدوا، أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ مَوْلُودِيهِ وَإِنْ سَفُلُوا، فَمَرْدُودٌ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ جَوَازهُ.

وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ الشَّهَادَةِ لَهُمْ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الْحُكْمِ لَهُمْ.

فَأَمَّا حُكْمُهُ عَلَى وَالِدَيْهِ وَمَوْلُودَيْهِ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ جَازَ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ.

فَأَمَّا مَنْ عَدَا طَرَفَيْهِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ مِنْ أَقَارِبِهِ كَالْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ.

فَلَوْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِ وَلَدُهُ وَوَالِدُهُ فَحَكَمَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ لِوَالِدِهِ وولده.

والوجه الثاني: يجوز؛ لأنها قَدِ اسْتَوَيَا فِي الْبَعْضِيَّةِ فَانْتَفَتْ عَنْهُ تُهْمَةُ الْمُمَايَلَةِ فَصَارَ حَاكِمًا عَلَى وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ.

[(فصل: استخلاف القاضي ولده أو والده) .]

وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي أَعْمَالِهِ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ لَهُمْ وَلَا يَحْكُمَ، إِذَا كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُمْ غَيْرُهُمْ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْبَعْضِيَّةِ الَّتِي تُجْرِيهِمْ مَجْرَى نَفْسِهِ، فَحُكْمُهُ بِنَفْسِهِ جَائِزٌ فَجَازَ بِمَنْ هُوَ بَعْضُهُ، وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْإِمَامُ فِي أَعْمَالِهِ مَنْ يَرَى مِنْ أَوْلَادِهِ.

وَخَالَفَ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يقتضي من يجري بالقضية يجري نَفْسِهِ.

فَأَمَّا إِذَا رَدَّ الْإِمَامُ إِلَى الْقَاضِي اخْتِيَارَ قَاضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَالِدَهُ وَلَا وَلَدَهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الِاخْتِيَارِ إِلَيْهِ يَمْنَعُهُ مِنِ اخْتِيَارِ نَفْسِهِ، فَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنِ اخْتِيَارِ ممَنْ يَجْرِي بِالْبَعْضِيَّةِ مَجْرَى نَفْسِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>