التَّبْعِيضُ فَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ فَفِي قَدْرِ مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ الدِّيَةِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: جَمِيعُ الدِّيَةِ لِاعْتِبَارِهَا بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَاسْتِقْرَارِ السِّرَايَةِ، وَهُوَ فِيهِمَا مُسْلِمٌ مَضْمُونُ الدِّيَةِ، فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةٍ وَسِرَايَةٍ، بَعْضُهَا مَضْمُونٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَصَارَ كَمَجْرُوحٍ جَرَحَ نَفْسَهُ ثُمَّ مَاتَ كَانَ عَلَى جَارِحِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي حُكْمِ أَحَدِ الْقَاتِلَيْنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: عَلَيْهِ أَرْشُ الْجُرْحِ، وَيَسْقُطُ ضَمَانُ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْإِسْلَامِ حَادِثَةٌ عَنْ سِرَايَةِ الرِّدَّةِ، فَصَارَتْ تَبَعًا لَهَا فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ، فَعَلَى هَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَارِحٌ وَلَيْسَ بِقَاتِلٍ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَا اسْتَحَقَّ فِيهِ مِنْ قَوَدٍ وِدِيَةٍ فَهُوَ لِوَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا فَوَرِثَهُ.
(فَصْلٌ)
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَنْعَكِسَ الرِّدَّةُ فَتَكُونَ فِي الْجَانِي دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يَجْرَحَ مُسْلِمًا خَطَأً ثُمَّ يَرْتَدَّ الْجَارِحُ وَيَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيَمُوتَ الْمَجْرُوحُ، فَعَلَى الْجَارِحِ جَمِيعُ الدِّيَةِ دُونَ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً وَمَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ الْمُسْلِمُونَ لَهَا، مُعْتَبَرٌ بِزَمَانِ رِدَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا تَسْرِي الْجِنَايَةُ فِي مِثْلِهِ تَحَمَّلَتِ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ جَمِيعَ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الرِّدَّةُ فِي الْمَجْرُوحِ تَحَمَّلَ الْجَارِحُ جَمِيعَ الدِّيَةِ.
وَإِنْ كَانَ زَمَانُ رِدَّتِهِ كَثِيرًا تَسْرِي الْجِنَايَةُ فِي مِثْلِهِ، فَفِيمَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْد ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَحْمِلَ عَلَيْهِ عَاقِلَتُهُ جَمِيعَ الدِّيَةِ، إِذَا قِيلَ إِنَّهُ يُضْمَنُ فِي رِدَّةِ الْمَجْرُوحِ جَمِيعُ الدِّيَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ نِصْفَ الدِّيَةِ وَيَتَحَمَّلُ الْجَانِي نِصْفَهَا الْمُقَابِلَ لِزَمَانِ رِدَّتِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ يُضْمَنُ فِي رِدَّةِ الْمَجْرُوحِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّ عُصْبَتَهُ الْمُسْلِمِينَ يَعْقِلُونَ عَنْهُ فِي إِسْلَامِهِ، وَلَا يَعْقِلُونَ عَنْهُ فِي رِدَّتِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ أَرْشَ الْجُرْحِ، وَيَتَحَمَّلُ هُوَ مَا بَقِيَ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ، إِذَا قِيلَ إِنَّ رِدَّةَ الْمَجْرُوحِ تُوجِبُ أَرْشَ جُرْحِهِ.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا كَانَ لِوَلِيِّهِ الْمُسْلِمِ أَنْ يقتص بالجرح (قال المزني) القياس عندي على أصل قوله أن لا ولاية لمسلم على مرتد كما لا وراثة له منه وكما أن ماله للمسلمين فكذلك الولي في القصاص من جرحه ولي المسلمين ".