بِفَكِّ رَقَبَةٍ، فَخَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنْ صِفَةِ مُقْتَحِمِهَا، وَلَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْأَمْرِ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُعْتِقًا لَهَا.
وَالسُّؤَالُ الثَّالِثُ: أَنَّ السَّرَاحَ لَوْ كَانَ صَرِيحًا كَالطَّلَاقِ، لَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عند نزول قوله تعالى: {الطلاق مرتان} عَنِ الثَّالِثَةِ حَتَّى بَيَّنَ فَقَالَ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} وَلَكَانَ السَّائِلُ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَرِيحٌ فَيَسْتَغْنِي عَنِ السُّؤَالِ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَخْفَى عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَسَأَلَهُ لِيَعْلَمَ صَرِيحَ الشَّرْعِ دُونَ اللُّغَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَحَدٌ.
وَالسُّؤَالُ الرَّابِعُ: أَنَّ الطَّلَاقَ إِنَّمَا كَانَ صَرِيحًا، لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَرَدَ بِهِ، وَلَكِنْ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْفُرْقَةِ، لِذَلِكَ صَارَ صَرِيحًا، وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ قَدْ يُسْتَعْمَلَانِ فِي غَيْرِ الْفُرْقَةِ فَكَانَا كِنَايَةً.
قِيلَ: قَدْ يُسْتَعْمَلُ الطَّلَاقُ فِي غَيْرِ الْفُرْقَةِ، فَيُقَالُ: فُلَانٌ قَدْ طَلَّقَ الدُّنْيَا، إِذَا زَهِدَ فِيهَا وَطَلَّقْتُ فُلَانًا مِنْ وَثَاقِهِ، وَقَدْ دَاعَبَ الشَّافِعِيُّ بَعْضَ إِخْوَانِهِ فَقَالَ.
(اذْهَبْ حَصِينُ فَإِنَّ وِدَّكَ طَالِقٌ ... مِنِّي وَلَيْسَ طَلَاقَ ذَاتِ البين)
فما أنكر ذلك حد مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ مِنِ اسْتِعْمَالِ الطَّلَاقِ فِي غَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فِيهِ، كَذَلِكَ الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ.
وَالسُّؤَالُ الْخَامِسُ: أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ صَرِيحًا لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ، وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ يَقِلُّ اسْتِعْمَالُهُمَا فَكَانَا كِنَايَةً، قِيلَ: الصَّرِيحُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَاقْتَضَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِ عُرْفُ الشَّرْعِ لَا عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُمَا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ كَالطَّلَاقِ، وَإِنْ خَالَفَاهُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ. وَقِيَاسٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ إِزَالَةَ الْمِلْكِ إِذَا سَرَى لَمْ يَقِفْ صَرِيحُهُ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ كَالْعِتْقِ. وَقِيَاسٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ أَحَدُ طَرَفَيِ النكاح، فوجب أن يزيد صريحه على لفظه واحدة كَالْعَقْدِ، وَقِيَاسٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ لَا يَفْتَقِرُ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالطَّلَبِ إِلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ كَانَ صَرِيحًا فِيهِ كَالطَّلَاقِ، وَقِيَاسٌ خَامِسٌ: أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ، كَالْكِنَايَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ فَقَدْ مَضَى فِي أَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْقُرْآنُ وَاللَّهُ أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (فَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَدْ طَلَّقْتُكِ أو فارقتك أو سرحتك لزمه) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا ثَبَتَ مَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ، أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ، الطَّلَاقُ