للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُعْتَبَرُ اسْتِطَابَةُ نُفُوسِ الْمُقِيمِينَ فَإِنْ طَابَتْ نُفُوسُهُمْ بِتَقْدِيمِ الْمُسَافِرِينَ قَدَّمَهُمْ، وَإِنِ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبِرْهُمْ، لِاسْتِحْقَاقِ التَّقْدِيمِ بِالسَّبْقِ.

وَإِنْ كَثُرَ الْمُسَافِرُونَ حَتَّى سَاوَوْا أَهْلَ الْمِصْرَ كَأَيَّامِ الْمَوَاسِمِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَكَانَ فِي تَقْدِيمِهِمْ إِضْرَارٌ بِالْمُقِيمِينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْفَعَ الضَّرَرَ عَنِ الْمُسَافِرِينَ بِإِدْخَالِهِ عَلَى الْمُقِيمِينَ، وَنُظِرَ: فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ الواحد للنظر بي المقيمين وَالْمُسَافِرِينَ جَعَلَ لِلْمُقِيمِينَ فِيهِ وَقْتًا وَلِلْمُسَافِرِينَ فِيهِ وَقَتًا، فَإِنِ اسْتَوَى الْفَرِيقَانِ سَوَّى بَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَإِنْ تَفَاضَلَ الْفَرِيقَانِ فَاضَلَ فِيهِمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ.

وَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ الْوَاحِدُ لَا يَتَّسِعُ لِلنَّظَرِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، جَعَلَ لِلْمُسَافِرِينَ يَوْمًا وَلِلْمُقِيمِينَ يَوْمًا إِنِ اسْتَوَى الْفَرِيقَانِ، وَإِنْ تَفَاضَلُوا فَاضَلَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَيَّامِ، وَخَصَّ الْمُسَافِرِينَ بِالْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ إِنْ لَمْ يَضُرَّ الْمُقِيمِينَ، إِمَّا إِجْبَارًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِمَّا بِاسْتِطَابَةِ نُفُوسِ الْمُقِيمِينَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَإِنِ اسْتَضَرَّ بِهِ الْمُقِيمُونَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سَبْقٌ يُعْتَبَرُ، فَعَدَلَ فِيهِ إِلَى الْقُرْعَةِ، وَاسْتَقَرَّ بِهَا تَرْتِيبُ الْمَجَالِسِ فِيمَا بَعْدُ لِيَكُونَ مَجْلِسُ الْمُسَافِرِينَ مَعْرُوفًا وَمَجْلِسُ الْمُقِيمِينَ مَعْرُوفًا حَتَّى يَقْصِدَ كُلُّ فَرِيقٍ فِي يَوْمِهِ الْمَعْرُوفِ.

فَإِذَا اتَّسَعَ مَجْلِسُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فِي أَنْ يَنْظُرَ فِي يَقِينِهِ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ جَازَ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى أَهْلُهُ حَقَّهُمْ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَقٌّ فِي بَاقِيهِ.

(تَقْدِيمُ النَّظَرِ بَيْنَ السَّابِقِينَ) .

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي: " وَلَا يُقَدِّمُ رَجُلًا جَاءَ قَبْلَهُ رَجُلٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ السَّبْقَ مُعْتَبَرٌ فِي تَقْدِيمِ النَّظَرِ بَيْنَ الْخُصُومِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " منا مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ " وَكَمَا يُرَاعِي السَّبْقُ فِي مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَفِي وُرُودِ الْمِيَاهِ وَفِي أَخْذِ الْمَعَادِنِ.

فَإِذَا اجْتَمَعَ الْخُصُومُ نَدَبَ الْقَاضِي لَهُمْ مَنْ يَكْتُبُ الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَقَ لِيَنْظُرَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْوَلَاءِ اعْتِبَارًا بِالسَّبْقِ.

فَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي السَّبْقِ، أو جاؤوا مَعًا، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، إِنْ أَمْكَنَتِ الْقُرْعَةُ، لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَرُتَبِهِمْ عَلَى مَا خَرَجَتْ بِهِ الْقُرْعَةُ.

وَإِنْ تَعَذَّرَتِ الْقُرْعَةُ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ أَثْبَتَ اسْمَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي رُقْعَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَطَوَاهَا الْقَاضِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ غَطَّاهَا كَانَ أَوْلَى، وَرَتَّبَهُمْ عَلَى مَا تَخْرُجُ بِهِ رِقَاعُهُمْ.

فَإِذَا وَجَبَ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمْ، إِمَّا بِالسَّبْقِ، وَإِمَّا بِالْقُرْعَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>