للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: تُسْمَعُ وَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُسْمَعُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، مَعَ عَدَمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، لِأَنَّه مُسْتَغْنٍ عَنْهَا بِيَمِينِهِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَسْمُوعَةٌ مِنِ الْمُدَّعِي، الَّذِي هُوَ الْخَارِجُ، وَمِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، الَّذِي هُوَ الدَّاخِلُ، فَبَيِّنَةُ الْمُدَّعِي مَسْمُوعَةٌ عَلَى التَّقْيِيدِ، وَالْإِطْلَاقِ، فَتَقْيِيدُهَا أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُضَافِ إِلَى سَبَبِهِ، وَإِطْلَاقُهَا أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ إِلَى سَبَبِهِ.

وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ الْمُقَيَّدِ الْمُضَافِ إِلَى سَبَبِهِ سُمِعَتْ، وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ إِلَى سَبَبِهِ، فَفِي سَمَاعِهَا مِنْهُ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ لِجَوَازِ أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ لِأَجْلِ الْيَدِ الَّتِي قَدْ زَالَ حُكْمُهَا، بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ تُسْمَعُ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الشُّهُودِ إِذَا أَطْلَقُوا أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْمِلْكِ عَنْ يَدٍ، قَدْ عَلِمُوا زَوَالَهَا بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، إِلَّا وَقَدْ عَلِمُوا غَيْرَهَا مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْمِلْكِ، فَحُمِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الصِّحَّةِ، فَإِذَا سُمِعَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَسَمِعَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، عَلَى مَا وَصَفْنَا فَقَدْ تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْمُدَّعِي، وَفِي وُجُوبِ اسْتِحْلَافِهِ عَلَى الْحُكْمِ لَهُ بِالْمِلْكِ قَوْلَانِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يُوجِبُهُ تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ إِنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالتَّعَارُضِ، وَتُقَرُّ يَدُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيُحْكَمُ لَهُ بِيَدِهِ مَعَ يَمِينِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ تَرَجَّحَتْ بِيَدِهِ، فَأُسْقِطَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ، فَحُكِمَ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ تَرْجِيحًا بِالْيَدِ ولم يحكم له باليد.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَسَوَاءٌ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ وَالْآخَرُ عَشَرَةً إِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَرْجَحُ مِنْ بَعْضٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بَيِّنَةً عَلَى مَا تَنَازَعَاهُ مِنَ الْعَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ، وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى بَيِّنَةِ الْآخَرِ، بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَكَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا شَاهِدَيْنِ، وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ عَشَرَةٌ، أَوْ تَرَجَّحَتْ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ، فَكَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا أَظْهَرُ زُهْدًا، وَأَوْفَرُ تَحَرُّجًا فَهُمَا فِي التَّعَارُضِ سَوَاءٌ، وَلَا يُغَلَّبُ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ الزَّائِدَةِ فِي الْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُرَجَّحَةُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَقُوَّةِ الْعَدَالَةِ أَوْلَى، وَالْحُكْمُ بِهَا أَحَقُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>