للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

: فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ فَمُسْتَحَبَّةٌ، وَحُكِيَ عِنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الطَّوَافِ فَصَكَّ فِي صَدْرِهِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَعَدَمِ كَرَاهَتِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الطَّوَافُ صلاةٌ ". ثُمَّ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ وَاجِبَةً فِي الصَّلَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَبَّةً فِي الطَّوَافِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْمَرْءُ.

فَإِنْ قِيلَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِي الطَّوَافِ.

قِيلَ: أَمَّا الدُّعَاءُ الْمَسْنُونُ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِيهِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " ما من شَيْءٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ ". وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى " وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ مَا تَضَمَّنَ الدُّعَاءَ مِنْ تَعْظِيمِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ ذِكْرَ الدُّعَاءِ الْمَسْنُونِ فِي الصَّلَاةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، كَذَلِكَ الطَّوَافُ، فَأَمَّا الدُّعَاءُ بِغَيْرِ مَا سُنَّ فِيهِ فَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ، لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مَا تكلم به المرء.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الطَّوَافِ فَمُبَاحٌ؛ لِرِوَايَةِ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ فِيهِ إِلَّا بِخَيْرٍ ". وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا الْتَقَيْتُمْ فِي الطَّوَافِ فَتَسَاءَلُوا ". وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ كَمْ تَعُدُّ، ثُمَّ قَالَ: تَدْرِي لِمَ سَأَلْتُكَ؟ لِتَحْفَظَهُ إِلَّا أَنَّنَا نَسْتَحِبُّ إِقْلَالَ الْكَلَامِ ". قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنِّي أَسْتَحِبُّ إِقْلَالَ الْكَلَامِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمَنَازِلِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِقُرْبِ بَيْتِ اللَّهِ مَعَ رَجَاءِ عَظِيمِ الثَّوَابِ فِيهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِنْشَادُ الشِّعْرِ وَالرَّجَزُ فِي الطَّوَافِ، فَجَائِزٌ إِذَا كَانَ مُبَاحًا؛ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ وَأَبُو أَحْمَدَ يَقُولُ:

(يَا حبذا مكة من وادي)

(أرضي بها أهلي وغوادي)

(أَرْضٌ بِهَا أَمْشِي بِلَا هَادِي)

<<  <  ج: ص:  >  >>