للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْإِلْقَاءُ فِي ذَلِكَ الماء موجب لِلْقَوَدِ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ قَبْلَ التَّلَفِ، فَفِي وُجُوبِ الْقَوَدِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْتَقِمْهُ الْحُوتُ لَوَجَبَ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْتِقَامِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: حَكَاهُ الرَّبِيعُ أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ تَلَفِهِ حَصَلَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَالْقَوْلُ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ الْقَوَدَ مَحْمُولٌ عَلَى نِيلِ مِصْرَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ التَّمَاسِيحُ فَلَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ، وَالْقَوْلُ الَّذِي أَسْقَطَ فِيهِ الْقَوَدَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ البِحَارِ وَالْأَنْهَارِ الَّتِي تَخْلُو غَالِبًا مِنْ مِثْلِهِ.

(فَصْلٌ)

إِذَا أَرْسَلَ عَلَيْهِ سَبُعًا فَافْتَرَسَهُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ لِقُصُورِ خُطْوَتِهِ عَنْ وَثْبَةِ السَّبُعِ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ مَنْ أَرْسَلَ سَهْمًا قَاتِلًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ، إِمَّا بِسُرْعَةِ الْعَدْوِ وَإِمَّا بِالدُّخُولِ إِلَى بَيْتٍ، أَوْ بِالصُّعُودِ إِلَى شَجَرَةٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَضْعُوفَ الْقَلْبِ، إِمَّا بِصِغَرٍ أَوْ بَلَهٍ يُدْهِشُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَنْ تَوَقِّيهِ، فَالْقَوَدُ فِيهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْخَلَاصِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ النَّفَسِ قَوِيَّ الْقَلْبِ يَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى افْتَرَسَهُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقِفَ السَّبُعُ بِقَدْرِ إِرْسَالِهِ زَمَانًا، ثُمَّ يَسْتَرْسِلُ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، لِأَنَّ حُكْمَ إِرْسَالِهِ قَدِ انْقَطَعَ بِوُقُوفِهِ فَصَارَ هُوَ الْمُسْتَرْسِلَ بِنَفْسِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَرْسِلَ عَلَيْهِ مَعَ إِرْسَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، فَلَا قَوَدَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْخَلَاصِ وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ وَجْهَانِ تَخْرِيجًا مِنَ القَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْخَلَاصِ تَقْطَعُ حُكْمَ الْإِرْسَالِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِالْإِرْسَالِ.

فَأَمَّا إِذَا كَتَفَهُ وَأَلْقَاهُ فِي الأرض مُسْبِعَةٍ، فَافْتَرَسَهُ السَّبُعُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ، وَيَكُونُ كَالْمُمْسِكِ وَالذَّابِحِ، لَا يَجِبُ عَلَى الممسك قود كذلك ها هنا، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ بِإِرْسَالِ السَّبُعِ عَلَيْهِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِتَوْجِيهِ السَّبُعِ لَهُ، فَأَمَّا إِنْ جرحه السبع فمات من جراحته لم يخل جِرَاحَتُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>