[(مسألة)]
قال المزني رضي الله عنه: " وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ الْمُوَكِّلُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْوَكَالَةُ مِنَ الْعَمَلِ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ يُمْكِنُهُ التَّفَرُّدُ بِعَمَلِهِ. وَضَرْبٌ لَا يُمْكِنُهُ التَّفَرُّدُ بِعَمَلِهِ.
فَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُهُ التَّفَرُّدُ بِعَمَلِهِ فَكَرَجُلٍ وُكِّلَ فِي نَقْلِ حُمُولَةٍ أَوْ فِي عمارة ضيعة أو بناء. فَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ صَرِيحًا. وَيَكُونُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ وَكِيلَيْنِ لِلْمُوَكِّلِ لَا يَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ الْأَوَّلِ. وَهَكَذَا لَوْ وُكِّلَ فِيمَا يُمْكِنُ الْوَاحِدُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ إِلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُحْسِنُ عَمَلَهُ وَلَا يَعْرِفُ صُنْعَهُ كَرَجُلٍ وُكِّلَ فِي نِسَاجَةِ ثَوْبٍ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ النَّسْجَ، أَوْ فِي صِيَاغَةِ حُلِيٍّ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَيَسْتَنِيبَ فِي عَمَلِهِ، وَيَكُونُ مَعْنَى تَوْكِيلِهِ فِيهِ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الصَّنْعَةَ اسْتِنَابَتَهُ فِي تَوْكِيلِ مَنْ يُحْسِنُهَا. وَهَكَذَا لَوْ وُكِّلَ فِيمَا لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُهُ، كَرَجُلٍ وُكِّلَ فِي النِّدَاءِ عَلَى ثَوْبٍ، وَلَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِالنِّدَاءِ أَوْ وُكِّلَ فِي غُسْلٍ وَلَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِالْغُسْلِ فَيَجُوزُ لَهُ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ فِيهِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ.
(فَصْلٌ)
وَإِنْ كَانَ مَا وكل فيه يمكنه التفرد بعمله وَعَادَتُهُ جَارِيَةٌ بِعَمَلِهِ كَرَجُلٍ وُكِّلَ فِي الْخُصُومَةِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ وُكِّلَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْعَقْدُ أَوْ وُكِّلَ فِي اقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ مُقَاسَمَةِ خَلِيطٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِسْمَةِ وَأَصْحَابِ الِاقْتِضَاءِ. فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُوَكِّلِ مَعَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَنْهَاهُ فِي عَقْدِ وَكَالَتِهِ عَنْ تَوْكِيلِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ مَعَ النَّهْيِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ تَوْكِيلُهُ بَاطِلًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي عَقْدِ وَكَالَتِهِ فِي تَوْكِيلِ غَيْرِهِ وَاسْتِنَابَتِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُنَصِّبَهُ عَلَى تَوْكِيلِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ. كَانَ مَنْ عَيَّنَ الْمُوَكِّلُ عَلَيْهِ أَمِينًا عَدْلًا أَوْ كَانَ خَائِنًا فَاسِقًا لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُوَكِّلِ وَاقِعٌ عَلَيْهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُنَصِّبَهُ عَلَى تَوْكِيلِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَيَقُولُ: قَدْ جَعَلْتُ إِلَيْكَ الْخِيَارَ فَوَكِّلْ مَنْ رَأَيْتَ فَعَلَى الْوَكِيلِ إِذَا أَرَادَ التَّوْكِيلَ أَنْ يَخْتَارَ ثِقَةً أَمِينًا كَافِيًا فِيمَا يُوَكَّلُ فِيهِ - فَإِنْ وَكَّلَ خَائِنًا فَاسِقًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُرَى تَوْكِيلُ مِثْلِهِ - فَلَوْ وَكَّلَ ثِقَةً أَمِينًا صَحَّ تَوْكِيلُهُ. فَإِنْ حَدَثَ فِسْقُهُ وَطَرَأَتْ خِيَانَتُهُ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ عَزْلُهُ قَبْلَ اسْتِئْذَانِ الْمُوَكِّلِ فِي عَزْلِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ إِلَّا بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ فِي عَزْلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute