للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالشَّمْسِ أَوْ بِالنَّارِ. فَإِذَا كَانَتْ بِالشَّمْسِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ. وَإِنْ كَانَتْ بِالنَّارِ فَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُ دُخُولَ النَّارِ فِي تَصْفِيَتِهِ مَانِعًا مِنْ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَدُخُولِ النَّارِ فِي الزَّيْتِ، لِأَنَّهَا تَأْخُذُ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعَسَلِ كَمَا تَأْخُذُ بَعْضَ أَجْزَاءِ الزَّيْتِ.

وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ دُخُولَ النَّارِ فِي تَصْفِيَتِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ بِيعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَكَذَلِكَ فِي السَّمْنِ بِخِلَافِ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ، لِأَنَّ النَّارَ دَخَلَتْ فِيهِ لِإِصْلَاحِهِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ شَمْعِهِ فَلَمْ تَأْخُذْ مِنْ أَجْزَائِهِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ السَّمْنُ وَإِنَّمَا تَأْخُذُ النَّارُ فِيمَا تَدْخُلُ فِيهِ لِانْعِقَادِهِ وَاجْتِمَاعِ أَجْزَائِهِ، حَتَّى لَوْ أَنَّ الْعَسَلَ الْمُصَفَّى أُغْلِيَ بِالنَّارِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، لِأَنَّ النَّارَ إِذَا لَمْ تَمَيِّزْهُ مِنْ غَيْرِهِ أَذْهَبَتْ بَعْضَ أَجْزَائِهِ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا السُّكَّرُ وَالْفَانِيذُ فَإِنْ أُلْقِيَ فِيهِمَا مَاءٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ جُعِلَ فِيهِمَا دقيقا أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ نُظِرَ فِي دُخُولِ النَّارِ فِيهِمَا.

فَإِنْ كَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ لِتَصْفِيَتِهِمَا وَتَمْيِيزِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا جَازَ بَعْضُهُمَا بِبَعْضٍ. وَإِنْ دَخَلَتْ لِانْعِقَادِهِمَا وَاجْتِمَاعِ أَجْزَائِهِمَا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ دِبْسُ التَّمْرِ وَرَبُّ الْفَوَاكِهِ.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا خَيْرَ فِي مُدِّ حِنْطَةٍ فِيهَا قَصَلٌ أَوْ زُوَانٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا حِنْطَةٌ بِحِنْطَةٍ مُتَفَاضِلَةٍ وَمَجْهُولَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اخْتَلَطَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ مِنْ قَلِيلِ التُّرَابِ وَمَا دَقَّ مِنْ تِبْنِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ فِي مِثْلِ هَذَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ أَمَّا الْقَصَلُ فَهُوَ عُقُدُ التِّبْنِ الَّتِي تَبْقَى فِي الطَّعَامِ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ، وَأَمَّا الشَّيْلَمُ وَالزُّوَانُ فَهُمَا حَبَّتَانِ تَنْبُتَانِ مَعَ الطَّعَامِ.

فَإِذَا بَاعَ طَعَامًا فِيهِ قَصَلٌ أَوْ زُوَانٌ أَوْ يُسَلِّمُ بِطَعَامٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِحُصُولِ التَّفَاضُلِ فِي الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ طَعَامًا فِيهِ قَصَلٌ أَوْ زُوَانٌ بِمِثْلِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ قَصَلٌ أَوْ زُوَانٌ لَمْ يَجُزْ، لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ فِي الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ.

فَأَمَّا يَسِيرُ التُّرَابِ وَمَا دَقَّ مِنَ التِّبْنِ إِذَا حَصَلَ فِي الطَّعَامِ فَبِيعَ بِمِثْلِهِ كَيْلًا جَازَ، لِأَنَّ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ. إِذِ الطَّعَامُ إِذَا كِيلَ حَصَلَ بَيْنَ الْحَبِّ خَلَلٌ لَا يَمْتَلِئُ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ لِضِيقِهِ. فَإِذَا حَصَلَ فِي الطَّعَامِ يَسِيرُ التُّرَابِ صَارَ فِي ذَلِكَ الْخَلَلِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْكَيْلِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ فِي مِثْلِ هَذَا. وَلَيْسَ يُرِيدُ الطَّعَامَ، لِأَنَّ بَيْعَ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَزْنًا لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ مَا يُوزَنُ مِنَ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ إِذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا يَسِيرٌ مِنَ التُّرَابِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ لِقَلِيلِ التُّرَابِ تَأْثِيرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْمِكْيَالِ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا بَيْعُ الْعَلَسِ بِالْعَلَسِ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْ قِشْرَتِهِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>