للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْلَكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا أَنْ يُسْتَعَانَ بِهَا فِي قِتَالِهِمْ، وَتُحْبَسُ عَنْهُمْ مُدَّةَ الْحَرْبِ كَمَا تُحْبَسُ فِيهَا أَسْرَاهُمْ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ رُدَّ عَلَيْهِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَانَ عَلَى حَرْبِهِمْ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] .

فَكَانَ الْأَمْرُ بِقِتَالِهِمْ عَلَى عُمُومِهِ، الْمُشْتَمِلِ عَلَى دَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ، وَلِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ جَازَ قتالها بغير سلامها وَدَوَابِّهَا جَازَ قِتَالُهَا بِسِلَاحِهَا وَدَوَابِّهَا كَأَهْلِ الْحَرْبِ.

وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ حَبْسُهُ عَنْهُمْ إِضْعَافًا لَهُمْ جَازَ قِتَالُهُمْ بِهِ، مَعُونَةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ كَافٍ لَهُمْ.

وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ. فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ.

وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ مَالِهِ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ كَأَهْلِ الْعَدْلِ.

وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَم يجز أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْ مَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْ مَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.

وَلِأَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ يَمْلِكُونَ رِقَابَهَا وَمَنَافِعَهَا، فَلَمَّا لَمْ تُسْتَبَحْ بِالْبَغْيِ أَنْ تُمْلَكَ عَلَيْهِمْ رِقَابُهَا لَمْ يُسْتَبَحْ أَنْ تُمْلَكَ بِهِ مَنَافِعُهَا.

فَأَمَّا الْآيَةُ: فَلَا دَلِيلَ فِيهَا، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتِ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ، وَلَمْ تَتَضَمَّنْ صِفَةَ الْقِتَالِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ: فَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ رِقَابَهَا، جَازَ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ مَنَافِعَهَا، وَأَهْلُ الْبَغْيِ بِخِلَافِهِمْ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَبْسِهَا: فَلَيْسَ جَوَازُ حَبْسِهَا مُبِيحًا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، كَمَا جَازَ حَبْسُ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزِ اسْتِخْدَامُهُمْ وَالِانْتِفَاعُ بِهِمْ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ، فَإِنِ اسْتَمْتَعَ بِهَا أَهْلُ الْعَدْلِ لَزِمَهُمْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا كَالْغَاصِبِ.

فَإِنْ تَلِفَتْ فِي أَيْدِي أَهْلِ الْعَدْلِ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا ضَمِنُوا رِقَابَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ من غير استعمال لم يضمنوها، لأهم حَبَسُوهَا عَنْهُمْ بِحَقٍّ.

وَلَوْ حَبَسُوهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ مَعَ إِمْكَانِ رَدِّهَا عَلَيْهِمْ: ضَمِنُوهَا، لِتَلَفِهَا بَعْدَ وُجُوبِ رَدِّهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>