للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْفُرْقَةِ بِالْمَوْتِ، فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِيرَاثَهَا مِنْهُ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْقَتْلِ فَهُوَ اسْتِدْلَالُ الْعِلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ مِنْ مِيرَاثٍ كَانَ مُسْتَحَقًّا وَهُمْ جَعَلُوا طَلَاقَ الْمَرَضِ يُثْبِتُ مِيرَاثًا كَانَ سَاقِطًا، وَلَيْسَ لِاعْتِبَارِ التُّهْمَةِ فِيهِ وَجْهٌ فَإِنَّ التُّهْمَةَ لَوْ وُجِدَتْ فِي الْفُرْقَةِ الَّتِي مِنْ جِهَتِهَا لَمْ تُوَرَّثْ فَكَذَلِكَ فِي الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ مَالِهِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَهُ فِي شَهَوَاتِهِ وَمَلَاذِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ وَلَوْ سُلِّمَ لَهُمْ لَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَنْ كَانَ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَارِثَةً عِنْدَ الْمَوْتِ فلم يصح الاستدلال.

[(فصل:)]

إذا تقرر القولين فَإِنْ قِيلِ بِالثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَرِثُ فَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْتُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ تَسْأَلْهُ.

وَإِذَا قِيلَ بِالْأَوَّلِ: أَنَّهَا تَرِثُ، فَفِي زَمَانِ مِيرَاثِهَا مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّهَا تَرِثُهُ مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا وَهِيَ عِدَّةُ الطَّلَاقِ بِالْأَقْرَاءِ، فَإِذَا انْقَضَتْ عَدَّتُهَا لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ بقايا علق النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ فَتَبِعَهَا الْإِرْثُ وَسَقَطَ بِانْقِضَائِهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَرِثُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا رِضًا مِنْهَا بِطَلَاقِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّهَا تَرِثُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا فَلَمْ يَسْقُطْ بِالتَّزْوِيجِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مِيرَاثَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ إِذَا لَمْ تَخْتَرْ طلاق نفسها فإن اختارات طَلَاقَهَا لَمْ تَخْتَرْ طَلَاقَ نَفْسِهَا فَإِنِ اخْتَارَتْ طَلَاقَهَا لَمْ تَرِثْ. وَاخْتِيَارُهَا لِلطَّلَاقِ قَدْ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ، مِنْهَا: أَنْ تَسْأَلَهُ الطَّلَاقَ فَيُطَلِّقَهَا، أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا فَتَشَاءُ طَلَاقَهَا أَوْ يُعَلِّقَهُ بِفِعْلِهَا فِيمَا لَا تَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ كَلَّمْتِ زَيْدًا أَوْ لَبِسْتِ هَذَا الْقَمِيصَ أَوْ أَكَلْتِ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَفْعَلُ ذَلِكَ، فَيَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهَا لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا فَلَا تَدْخُلُ الدَّارَ، وَلَا تُكَلِّمُ زَيْدًا، وَلَا تَلْبَسُ ذَلِكَ الْقَمِيصَ، وَلَا تَأْكُلُ ذَلِكَ الرَّغِيفَ.

فَأَمَّا إِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِ مَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْهُ كَقَوْلِهِ: إِنْ أَكَلْتِ أَوْ شَرِبْتِ أَوْ نِمْتِ أَوْ قَعَدْتِ، فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَهِيَ غَيْرُ مُخْتَارَةٍ لِطَلَاقِهَا، فَلَهَا الْمِيرَاثُ وَإِنْ فَعَلَتْهُ قَبْلَ وَقْتِ الْحَاجَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>