[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأُذُنُ الصَّحِيحِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْقَوَدُ فِي الْأُذُنِ وَاجِبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ} فَيَأْخُذُ الْأُذُنَ الْكَبِيرَةَ بِالصَّغِيرَةِ، وَالْغَلِيظَةَ بِالدَّقِيقَةِ، وَالسَّمِينَةَ بِالْهَزِيلَةِ، وَالسَّمِيعَةَ بِالصَّمَّاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أُقِيدُ أُذُنَ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ، لِنَقْصِهَا بِذَهَابِ السَّمْعِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ مَحَلَّ السَّمْعِ فِي الرَّأْسِ، وَالصَّمُّ يَكُونُ إِمَّا بِسَدَادِ مَنَافِذِهِ، وَإِمَّا لِذَهَابِهِ مِنْ مَحَلِّهِ فَلَمْ يَكُنْ نَقْصًا فِي الْأُذُنِ وَإِنَّمَا هُوَ نَقْصٌ فِي غَيْرِهَا، فَجَرَى الْقَوَدُ بَيْنَهُمَا فِيهَا، وَمَنْفَعَةُ الْأُذُنِ تَجْمَعُ الْأَصْوَاتَ لِتَصِلَ إلى السبع، وَتُؤْخَذُ الْأُذُنُ الَّتِي لَا ثُقْبَ فِيهَا بِالْأُذُنِ الْمَثْقُوبَةِ إِذَا لَمْ يَذْهَبْ بِالثُّقْبِ شَيْءٌ مِنْهَا، فَإِنْ أَذْهَبَ الثُّقْبُ مِنْهَا شَيْئًا فَهِيَ كَالْأَنْفِ إِذَا أَذْهَبَ الْجُذَامُ شَيْئًا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَطْعُ بعضها على ما بيناه في الأنف لتشابهما.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ قَلَعَ سِنَّ مَنْ قَدْ أَثْغَرَ سِنُّهُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ سِنُّهُ لَمْ يَثْغَرْ فَلَا قَوَدَ حَتَّى يَثْغَرَ فَيَتَتَامَّ طَرْحَةُ أَسْنَانِهِ وَنَبَاتُهَا فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ لَا يَنْبُتُ أَقَدْنَاهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْأَسْنَانِ فَوَاجِبٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: ٤٥] .
وَلِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي السِّنِّ الْقِصَاصُ " وَلِأَنَّ فِيهَا مَنْفَعَةً وَجَمَالًا فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالسِّنُّ عَظْمٌ وَالْعَظْمُ لَا قِصَاصَ فِيهِ.
قِيلَ: السِّنُّ لِانْفِرَادِهِ كَالْأَعْضَاءِ الْمُنْفَرِدَةِ الَّتِي يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهَا، وَغَيْرُهُ مِنَ العِظَامِ مُمْتَزِجٌ وَمَسْتُورٌ بِمَا يَمْنَعُ مِنْ مُمَاثَلَةِ الْقِصَاصِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقِصَاصُ، فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيهِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِقَلْعِ سِنِّهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ ثَغَرَ أَوْ لم يثغر، والمثغور أن يطرح أَسْنَانَ اللَّبَنِ وَيَنْبُتَ بَعْدَهَا أَسْنَانَ الْكِبَرِ، فَإِنْ كَانَ مَثْغُورًا قَدْ طَرَحَ أَسْنَانَ اللَّبَنِ وَنَبَتَتْ أَسْنَانُ الْكِبَرِ فَقُلِعَتْ سِنُّهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهَا مِنْ مِثْلِهَا مِنْ سِنِّ الْجَانِي، وَأَسْنَانُ الْفَمِ إِذَا تَكَامَلَتِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا، مِنْهَا أَرْبَعُ ثَنَايَا، وَأَرْبَعُ رُبَاعِيَّاتٍ، وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ، وَأَرْبَعَةُ ضَوَاحِكَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ ضِرْسًا وَهِيَ الطَّوَاحِنُ، وَأَرْبَعَةُ نَوَاجِذَ وَهِيَ أَوَاخِرُ أَسْنَانِ الْفَمِ، فَتُؤْخَذُ الثَّنِيَّةُ بِالثَّنِيَّةِ، وَلَا تُؤْخَذُ ثَنِيَّةٌ بِرُبَاعِيَّةٍ، وَلَا نَابٌ بِضَاحِكٍ، كَمَا لَا يُؤْخَذُ إِبْهَامٌ بِخِنْصَرٍ، وَتُؤْخَذُ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَلَا تُؤْخَذُ يُمْنَى بِيُسْرَى وَتُؤْخَذُ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَلَا تُؤْخَذُ عُلْيَا بِسُفْلَى، وَتُؤْخَذُ السِّنُّ الْكَبِيرَةُ بِالصَّغِيرَةِ، وَالْقَوِيَّةُ بِالضَّعِيفَةِ، كَمَا تُؤْخَذُ الْيَدُ الصَّحِيحَةُ بِالْمَرِيضَةِ، لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute