للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا هِلَالُ شَوَّالٍ وَسَائِرُ الْأَهِلَّةِ سِوَى رَمَضَانَ، فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ قِيَاسًا عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ لِتَعَلُّقِهِ بِعِبَادَةٍ، وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّهُ لَا خَبَرَ فِيهِ، وَلَا أَثَرَ وَلَا فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ فَأَمَّا هِلَالُ رَمَضَانَ، فَإِنْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ عَدْلَانِ وَجَبَ اسْتِمَاعُهُمَا، وَالْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا.

وَقَالَ أبو حنيفة إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، لَمْ أَقْبَلْ مِنْهُ إِلَّا التَّوَاتُرَ مِمَّنْ يَقَعُ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ السَّهْوُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ مُغَيَّمَةً قَبِلْتُ شَهَادَةَ الواحد، قال: لأن الهلال يدرك نجاسة الْبَصَرِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْكَافَّةُ، وَلَا تَخْتَصُّ بِهَا طَائِفَةٌ فَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ رُؤْيَتَهُ عَدَدٌ يَقَعُ الْعِلْمُ بِشَهَادَتِهِمْ، لَمْ يُقْبَلُوا فَأَمَّا مَعَ الْغَيْمِ فَيُقْبَلُ الْوَاحِدُ، لِأَنَّ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَنْجَلِيَ الْغَيْمُ عَنِ الْهِلَالِ فَيَرَاهُ وَاحِدٌ مِنَ الناس، ثم يتحلله السَّحَابُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَتَسْوِيَةِ الْحُكْمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ صَحِبْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَتَعَلَّمْنَا مِنْهُمْ فَكَانُوا يُخْبِرُونَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ صُومُوا، لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فأكملوا العدة ثَلَاثِينَ، فَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عدلٍ فَصُومُوا، فَدَلَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أبي حنيفة وَلَيْسَ اشْتِرَاكُ النَّاسِ فِي حَاسَّةِ الْبَصَرِ يُوجِبُ تَمَاثُلَهُمْ فِي الْإِدْرَاكِ، لِأَنَّا قَدْ نَجِدُ بَصِيرَيْنِ يَعْتَمِدَانِ نَظَرَ شَيْءٍ عَلَى بُعْدٍ فَيَرَاهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِحِدَّةِ بَصَرِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الشَّيْءِ الْمَرْئِيِّ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى أبي حنيفة إِذَا رَآهُ عَدَدٌ يَقَعُ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ وَلَمْ يَرَهُ الْكَافَّةُ مَعَ تَمَاثُلِهِمْ فِي الْحَاسَّةِ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِهِمْ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا شَهِدَ عَلَى رُؤْيَتِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا شَاهِدَانِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَرْتِيبِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عدلٍ فَصُومُوا " فَعَلَّقَ حُكْمَ الشَّهَادَةِ بِعَدْلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ حُكْمَ الْوَاحِدِ مُخَالِفٌ لحكمهما، ولأنهما شَهَادَةٌ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ عَدْلَيْنِ قِيَاسًا عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ واحد وربه وقال أبو حنيفة إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُغَيَّمَةً، وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ رِوَايَةُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَرَأَيْتُهُ وَحْدِي فأخبرت رسول

<<  <  ج: ص:  >  >>